جاءني صديقي مستاءً وآثار التعاسة بادية بكل وضوح على ملامح وجهه، وما إن سألته عن السبب، حتى أسمعني موشحاً طويلاً من النق والشكوى والتذمر واصفاً لي ما يعانيه من ضيق الحال وارتفاع الأسعار وهموم كثيرة حولت حياته إلى جحيم، بحيث بات عاجزاً عن التفاهم مع أفراد عائلته وتلبية طلباتهم، ثم بادرني بالسؤال ما الذي يجعلك سعيداً ومتفائلاً وضحكتك (شبر ونص)، فقلت: الكذب..؟!
فعاد يسأل باهتمام..الكذب (!) بالله عليك كيف ذلك..؟!
فقلت: استعمل الكذب الحلو.. ألم تسمع بأغنية (كذبك حلو)، والمثل القائل (الكذب ملح الرجال) فهذا هو الحل السحري لكسب رضى الجميع.. فقال وقد زاد استغرابه:
ــ وهل يصلّح الكذب ما أفسدته الأحوال المعيشية شديدة السوء..!
فقلت له: أحياناً الكذب يغنيك عن شراء الكثير من الأشياء الغالية مثل السكر والحلويات، فقال وكيف..؟، قلت: بضع جمل من الغزل والكلام الحلو لزوجتك عند الصباح ستنسى احتياجات البيت وطلبات الأولاد، فقال: وهل أنت متأكد..؟ قلت: جرّب وتعال نقيّم النتائج..!
التقيته بعد أسبوع، وكان في حال سيئة، آثار حروق صغيرة في وجهه، فحاولت الاطمئنان عليه، فقال: لم تنفع وصفتك المجنونة بل زادت الوضع سوءاً..!
فقلت: لعلك زدت جرعة الكذب الحلو فأحرقك..؟!
قال: هذا ما حدث فما إن بدأت بتطبيق وصفتك الملعونة حتى رشقتني زوجتي بمحتويات (ركوة) قهوة مغلية في الصباح..!
فقلت: وماذا قلت لها بالضبط..؟!
قال: سألتني ما رأيك بقوامي، أليس جميلاً.. فقلت لها قوامك حلو وجميل، ولكن حبذا لو توقفت عن تناول الطعام مثل البقرة الضاحكة..!
فقلت: عليكَ أن تشكر الله كثيراً لأن زوجتك كانت تعدّ القهوة ولم تكن تعد طبقاً من البطاطا المقلية..؟!!
عبد الحليم سعود
التاريخ: الخميس 12-9-2019
رقم العدد : 17073