طارق الشريف ذاكرة التشكيل السوري المعاصر

الملحق الثقافي:د. محمود شاهين:

 طارق الشريف (1935 – 2013) اسم تردد في مفاصل الحركة الفنيـّة التشكيليّة السوريّة المعاصرة نحو نصف قرن من الزمن، وسيبقى يتردد فيها طالما تستقبل هذه الحركة أفواجاً جديدة من الفنانين التشكيليين الشباب، ذلك لأنه ترك لها إرثاً حافلاً من الكتابات النقديّة والتوثيقيّة الرصينة، موزعة على مئات المقالات والدراسات المنشورة، وبضعة كتب، إضافة إلى كونه كان حاضراً وفاعلاً ومؤثراً، في عددٍ من المرافق المعنيّة بحركة التشكيل السوري الحديث.

 

لقد أثرى الشريف بكتاباته التشكيل السوري، وكان في طليعة الذين تفرغوا للكتابة التخصصيّة حول شؤون وشجون هذا الفن، ما يجعل منه قرينة رئيسة من قرائنه، ما يتوجب التوقف عند مسيرته الطويلة، ودراستها، وتوثيقها، وهذا ما قام به المركز الوطني للفنون البصريّة بجامعة دمشق مؤخراً، بإصداره كتاباً يوثق بالكلمة والصورة، لمفاصل مسيرته كافة، ساهم في الكتاب (إلى جانب الشريف) مجموعة من الفنانين التشكيليين والنقاد والأصدقاء الذين عاصروه، وكانت أعمالهم مادة لتحليلاته وبحوثه، ومنهم التشكيلي أحمد نشأت الزعبي الذي يرى بأن الشريف كان يجمع إلى سعة الثقافة والاطلاع، ورجاحة العقل: بساطة في الطبع، وليناً في المعاملة، وتواضعاً ليس له حدود. كما كان دؤوباً شغوفاً بعمله، كلفاً بالكتابة والنشر.

 

حيادية نقدية
أما الناقد سعد القاسم فيؤكد بأن ما من تشكيلي سوري يجهل اسم طارق الشريف، أو ينتقص من أهمية حضوره في الحياة التشكيليّة السوريّة والعربيّة، فعلى مدى أربعة عقود، كان واحداً من أكثر الأسماء حيويّة في مجال النقد الفني العربي، والاسم الأبرز على المستوى الوطني في مجال إدارة العمل التشكيلي من مواقع مختلفة تولى مسؤوليتها، وكل ذلك كان مصحوباً بمعرفة فنية واسعة، ومتابعة دقيقة ودؤوبة، دفعت لاعتباره ذاكرة الفن التشكيلي السوري.
وبحسب الفنان فؤاد دحدوح، فإن الشريف بقي (رغم انتشار فوضى الأقلام) نقياً في عمله، وحازماً في أمره، دون مواربة أو تضليل، ولعله وجد في الاستجابة لشيطان الكتابة ملاذاً لروحه، في حياة امتدت ثمرة العطاء فيها إلى أكثر من سبعين عاماً. والحقيقة لم تكن مقالاته وأبحاثه النقديّة سوى انعكاس حقيقي للواقع التشكيلي السوري، وإذا ما أردنا بإنصاف أن نضعها على منصة التحليل والكشف والمقارنة، نجد أنها ما زالت حتى اليوم صلة الوصل، والمرجع الأساس للسواد الأعظم من المهتمين، في الشارع الثقافي العربي عموماً، والسوري بخاصة.

من جانب آخر، يرى راتب الغوثاني بأن الشريف كتب في الفن يوم كان الفن التشكيلي ظلاً باهتاً للثقافة السوريّة، كما كان مُسجّلاً ومُوثّقاً ومُتابعاً للتحولات الفكريّة والإبداعيّة عصراً بعصر، إضافة إلى ذلك فقد كتب بحيويّة الأطفال، وصبر الشيوخ، كتب بحب وصدق وإخلاص. وتذهب الفنانة عتاب حريب إلى التأكيد على أن المدهش فيما نقرأ للشريف أنه كتب بإجادة وإدهاش، بسوية عالية في مجالات الفن والجمال.
أما الفنانة ريم الخطيب فرأت بأن الشريف يتميز بحياديّة نقديّة عالية على تقديم نص مواز للوحة من دون أن ينحاز إلا إلى الجمال وقيمته الحقيقية، على مدى ما يقارب أكثر من خمسة وأربعين عاماً من العمل الدؤوب والمتواصل.

 

 

أصالة الفن
يرى الشريف بأن الفن التشكيلي ازداد أصالةً حين اكتشف نفسه في تراثه العربي، واكتشف كل فنان مهما (ابتعد عن أخيه) أنه يبحث عما هو مشترك، وله في بحث الفنان العربي الآخر، الصلة والعروة الوثقى التي توحد دون لقاء، وتجدد تراثاً فيه القدرة على البقاء والاستمرار. أي أن في هذا التراث المتجدد، ما يصلح ليكون عنواناً لنهضتنا الفنيّة، وفيه ما يساعد على أن نكون أصلاء غير تابعين، قادرين على إثبات الوجود، ورغم كل التهديد الذي نراه في كل يوم المتمثل بتهديد الوجود، وسرقة التراث، ومحو الصلة بالأرض. وهنا تتأكد في كل يوم، حقيقة دامغة هي أن الفن سلاح من أسلحة المعركة مع العدو، وهو سلاح هام لأنه يدافع عن الأمة حضارياً وفكرياً، ويُثبّت وجودها المستمر، ويؤكد على حاجتنا الدائبة إلى أن نكون مبدعين، وأن يكون هذا لإبداع أصيلاً، على صلة بالأرض والتراث، وعلى صلة بالناس، يخاطبهم بلغة يفهمونها لعلاج مشاكلهم، ويربط بينهم برباط الأخوة، ويجدد الثقة بالنفس.

 

وهكذا يجدد الفن التشكيلي اللحمة، ويقوي الأواصر، يربط بين الماضي وبين أجزاء الوطن المبعثرة، ويصبح شئنا أم أبينا، أحد أهم الأسلحة التي تؤكد على وحدة الأمة، في مرحلة تهدد فيها الأطماع هذه الأمة. وليأخذ الفن دوره في وصل الحاضر بالماضي وبالأشقاء، ويبث الثقة بالقدرة على الإبداع والتجديد، لا بد له من محاربة اليأس في نفوس الناس، وزرع الأمل والثقة بمستقبلهم. وهكذا يأخذ الفن التشكيلي دوره المبدع، ويؤكد رسالته، ويدفع الناس إلى الثقة بأنفسهم وإبداعاتهم وعطاء أمتهم، وقدرتها على أن تتجاوز ما يبدو أنه حقيقة مستقرة، يروّج لها الأعداء الذين يريدون منا أن نبقى مستسلمين لهم.
من جانب آخر، يرى الشريف أن النقد الفني ليس قوالب جاهزة مستوردة من الأحكام، وليس نقلاً لمفاهيم فنيّة ونقديّة عالميّة، علينا الخضوع لها، وإنما على النقد العربي أن ينطلق من المفاهيم والمنطلقات التي تخدم قضايانا، وله من التوجهات التي تساعد على بلورة فننا وتقديمه إلى العالم، وله من الرؤية المنبثقة من واقع الأمة العربيّة، ومن الإشكالات التي تعيشها، وله التوجهات التي تتصدى للكثير من الأكاذيب التي ينشرها العدو حولنا، وهكذا لا ينفصل الفن والنقد الفني عن قضايانا السياسيّة والاجتماعيّة. لهذا فالنقد الفني العربي يجب أن يحمل المبادئ والأهداف المرتبطة جوهرياً بالأهداف والمبادئ التي نحملها.

 

الحساسية الفنية
يرى الشريف أن الحساسيّة الفنيّة ليست القيمة الوحيدة في الفن، ذلك لأن الحضارات المتعاقبة، عند تطوير ثقافتها، تخفف من أهمية هذه القيمة الأساسيّة بمزجها بقيم أخرى سحريّة أو منطقيّة، لأنها تستخدم الحساسيّة الفنيّة في إطار اجتماعي، وأن اختلاف الإطار هو الذي يفسر مختلف التغيرات التي تحدث في تاريخ الفن. على هذا الأساس، لا يمكن إرجاع الأصالة إلى الحساسيّة الفنيّة الإبداعيّة، وإنما هي رؤية جديدة تغتني بقيم أخرى ليست فنيّة محضة. من أجل هذا لا يمكن أن يكون الإبداع خارج إطار المجتمع، وخارج التراث والمرحلة، وإلا أصبح عبارة عن شكل فارغ من الرؤية التي تعطيه الارتباط بالمكان، والظروف المرحليّة، والتراث القومي، ومقومات التراث الثقافي لكل شعب.
بقي أن نشير إلى أن طارق الشريف حاصل على إجازة في الفلسفة من جامعة دمشق عام 1959، عمل في وزارة الثقافة السورية منذ العام 1960. عمل مديراً لمركز أدهم إسماعيل للفنون التشكيليّة، ثم مديراً للمركز الثقافي العربي، ثم مديراً للفنون الجميلة في دمشق. صدرت له مجموعة من الكتب منها: عشرون فناناً من سوريّة، الفن واللافن، فاتح المدرس فن حديث بروح تعبيريّة.

التاريخ: الثلاثاء17-9-2019

رقم العدد : 965

 

 

آخر الأخبار
BBC: طالبو اللجوء السوريون في بريطانيا.. بين القلق وانتظار قرارات لندن  وفرة في الغاز وندرة في المال..  مدير عمليات التوزيع: رخصة الغاز ليست مشروعاً تجارياً  قمة أممية للذكاء الاصطناعي.. توجيهه لخدمة أهداف التنمية المستدامة   وسط توترات جيوسياسية وعسكرية.. القارة الآسيوية تغرق في سباق التسلح     ما هي دلالات وأبعاد رفع هيئة تحرير الشام من قوائم الإرهاب؟  رغم الرماد والنار.. ثمّة من يحمل الأمل ويزرع الحياة من جديد خبير لـ " الثورة" : ما خسرناه من غطاء حراجي يحتاج لسنوات ومبالغ كبيرة استمرار جهود الإخماد في اللاذقية لليوم السابع.. وتقليص البؤر المشتعلة بدعم عربي ودولي شبكة حقوقية تُدين تقاعس المجتمع الدولي وتُطالب بإعلان حالة الطوارئ في سوريا مقاربات واشنطن تجاه "قسد".. تثبيت لوضعها الحالي أم دفعها نحو دمشق؟ الشرع يلتقي المبعوث الأميركي.. دمشق و واشنطن.. تعزيز الحوار وتطوير علاقات التعاون عبد الكافي الكيال لـ"الثورة": جهودنا مستمرة.. ونعمل ليلاً ونهاراً للسيطرة على الحرائق قوى الأمن الداخلي تشتبك مع خلية مشتبه بها على طريق إدلب - بنّش.. وتضبط أسلحة وذخائر دراسة ضريبة الدخل على الراتب .. خبير اقتصادي: تستهدف فئة ذات دخل محدود تحسين الواقع الخدمي في الكفرين والبلدات التابعة الثروة الحراجية .. رئة البيئة تحترق في ريف اللاذقية تسجيل 414 شركة في 5 أشهر.. تسهيلات مستمرة وتنامي الطلب على الرقمنة والتحول الرقمي رابطة الجالية السورية في فرنسا تستكمل هيكلها التنظيمي أوجلان يعلن نهاية الكفاح المسلح.. مرحلة جديدة في العلاقة بين الكرد والدولة التركية طلاب التاسع ينهون ماراثون امتحاناتهم مع لغة "الضاد".. موزونة ومرنة وواضحة