يرى البعض أننا حين نكتب فإننا نتفلسف..
ويخلق كلٌّ منّا فلسفته الخاصة بما يخطّ من كلمات محمّلة بأفكاره التي يبوح بها لبياض أوراقٍ.. محقّقاً نوعاً من مصالحة مع ذاته وصولاً لصفاء الذهن بإزاحة ثقل أوزان غير مرئية.
وحتى يومَ أعلن شاعر البرتغال الأشهر فرناندو بيسوا سبب ممارسة فعل الكتابة بعبارته: «أكتب لأجل أن أتسلّى… وحدها الرسائل التجارية تكون لها وجهة محددة، أمّا رسائلي موجّهة مني وإلي وحدي».. لا يعني الأمر أن كتاباتنا حتى حين تكون موجّهة لنا «منّا وإلينا» أنها ليست ببصماتٍ فلسفية..
وفق الشائع، تأتي الكتابة لتحقيق محاولات لفهم الحياة، المحيط، الآخرين.. لتسجيل بصمة تُخلخِل عقارب الزمن وتراوغ العدم.. بهذا يبدو أن سهم عملية الكتابة يتّجه صوب عوالم خارجية.. منطلقاً من نقطة ذاتية.
لكن وحسب رؤية مغايرة، يمكن للكتابة أن تكون منطلقةً من نقطة ذاتية إلى نقطة ذاتية أخرى مشكّلةً بذلك دائرة مكتملة.. هي دائرة الوعي بالذات لفهمها وتحقيق قراءة صائبة قدر الإمكان لها.. وبالتالي هي بهذا المعنى تقارب ملامسة أعمق نقطة في قعر الذات، محاولةّ فلشها على العلن.
وكلّما تمكّنا من تفريغ أفكارنا على الورق، ومنحها هيكلاً كتابياً يعطيها قوامها الخاص، كلّما بدا أننا نمارس الفلسفة بحسب الفيلسوف الفرنسي هنري بينا- رويز، الذي يرى أن اعتناء المرء بأفكاره هو الفلسفة بعينه.
بأصداء ذاتية، نتفلسف حين نبوح بأفكارنا، نخيطها إلى بعضها حتى تتشكّل لوحة مكتملة الفهم عن أنفسنا.. وتتردد انعكاسات هذا الفهم الذي يبلور وعياً، لاستيعاب كل ما يحيط بنا وفهمه أكثر..
إننا نمارس فن الحياة بصيغته الأرقى حين نكتب.. كما ذكر بينا- رويز «فنّ الحياة هو أن يعرف المرء كيف يختار وجهته ويتّجه نحو ذاته».. وذلك بأداة الكتابة لطالما كانت هذه الأخيرة محاكاة لأفكارنا/فكرنا وسفراً خارج حدود الزمان والمكان نحو أعمق نقطة غير مدركة في بئر ذواتنا.
lamisali25@yahoo.com
لميس علي
التاريخ: الخميس 3-10-2019
الرقم: 17089