القراءة الضالة والعربدة الفلسفية

 

الملحق الثقافي:ناظم مهنا :

«الكتب بساتين العلماء»
علي بن أبي طالب
«الحكيم، هو الذي يُفَصِّل اعتقاده على قد البيّنة»
ديفيد هيوم

القراءة الضَّالة
الناقد الأمريكي هارولد بلوم، في كتابه «طريقة للقراءة الضالة»: ترجمة الدكتور عابد إسماعيل، كتابُ تأمّل وبحث وتقصي في طرائق القراءة المنحرفة أو القراءة المحوُّرة. ينطلق بلوم في هذا الكتاب، كما يوضح، من اعتقاده الحاسم بأنه لا يوجد نصوص صافية، بل علاقات بين النصوص؛ وهذه العلاقات تعتمد على فعل نقديٍّ، وعلى قراءة ضالة، أو سوء قراءة (قصدية) يمارسها شاعر على آخر..
وعلاقة التأثير لا تتوقف عند الكتابة، بل تتعدى ذلك إلى القراءة… ومثلما الشاعر القوي هو الذي يتأثّر، كذلك الشاعر القوي، يقرأ قراءة ضالّة لنصوص سابقيه. يتجلى هذا التأثير أو الفعالية في القراءة الضالة من خلال العملية التنقيحية، أي إعادة التحديق أو إعادة النظر، ويتم فيها نوع من التحديد، ثم الاستبدال ثم التمثل.
يشكِّل التوراة، المرجعية الأساسية لهارولد بلوم، لكن ليس التوراة بوصفه أيديولوجيا، بل كتابَ قصص وحكايات وأشعار، أو سيرة قبيلة رعوية متنقلة لها أسطورة تكوين.
لا يريد بلوم أن يَعرِفَ الأساطير التي قَبْل التوراة أو مرجعية التوراة ومصادره، وهذه ثغرة من نواقص هذه المدرسة في النقد الأسطوري التي لا تلحظ الأساطير الأقدم.
يقدم بلوم لنفسه وللآخرين قراءته المنحرفة الضالة بحد ذاتها أيضاً. وبلوم من أكبر أقطاب النقد الأسطوري الذي شقَّ دربه الناقد الكندي الشهير نورثروب فراي.

 

 

الخدعة الجدليّة
تعبير الخدعة الجدلية استخلصناه من كتابات شوبنهاور، والجدل المقصود هنا هو الحجاج والمناظرات بين المفكرين والفلاسفة، وهذا فيه كثير من الخداع والمراوغة، ويتطلب التنبه والتحفَّز لمعرفة مواطن الخداع اللّغوي، يقول شوبنهاور: «يتوجب على من يدخل في مناظرة، أن يعرف ما هي حيل الخداع، ذلك أن من المحتم عليه أن يصادفها ويتعامل معها».
ويقول في مكان آخر: «كم يكون رائعاً أن نُقيّض لكلِّ خدعة جدليّة اسماً مختصراً وبيِّن الملائمة، بحيث يتسنى لنا كلّما ارتكب أحدٌ هذه الخدعة المعينة أو تلك أن نوبّخه عليها توّاً».
وإثارة هذا الموضوع ليس الهدف منه أخلاقيّاً أو سلوكياً، بل هو معرفي بالدرجة الأولى، فالعقل الحديث عقل نقض وتشكيك وليس عقلَ تسليم ومهادنة، يرى عادل مصطفى، صاحب كتاب «المغالطات المنطقية» أن التكذيب وليس التأييد هو معيار العلم، وهذا استناداً إلى كارل بوبر الذي يقول: «لا تكون النظرية علمية ما لم تكن قابلة للتكذيب».

العربدة الفلسفية
هذا التعبير لـ»سيوران» جاء في سياق الحديث عن فلسفة نيتشه والذُّرا الحيوية، وسيوران نفسه ممن أنشأ بنيانه الفلسفي على الشذرات الإطلاقية التي تتحدر من هذه العربدات الراديكالية في التفكير الفلسفي، وفي الشذرات المكثفة، يقول سيوران، متمثلاً نيتشه: «واجب الوعي الوصول إلى يأسٍ لائق، إلى شراسة أولمبية». وعُرِفَ سيوران بالهجوم الشرس على القناعات دائماً.
العربدة الفلسفية هي محفز واجتراح وذروة من ذرا الحيوية البشرية التي يجيدها فرسان الفلسفة والتفكير الفلسفي.

سوء النيَّة
لم يكن سارتر من المتحمسين لفرويد، فهو يرى أن اللاشعور مفهوم متناقض، اخترعه الإنسان هرباً من مسؤوليته. «سوء النيَّة» حالة واعية، وهو انحراف قصدي عن الحقيقة والواقع، وقد تحدث سارتر عن سوء النية ببعده الانفعالي في كتابه «نظرية الانفعالات».
يشترك الكذب وسوء النية في رؤية الواقع على غير ما هو عليه، فيقومان على إنكار الحقيقة واختراع صورة زائفة عنها. الكذّاب يحتفظ بالحقيقة لنفسه، ويحجبها عن الآخر، ويخترع صورة زائفة بدلاً منها يقدمها للآخر، ويرى المفكر السوري الراحل أحمد حيدر، أننا مع الكذّاب أمام ثنائية الخادع والمخدوع، الحقيقة والزيف، في حين أن سيّئ النية ينكر الحقيقة، وينكر هذا الإنكار عن نفسه، فالصورة الزائفة تحلُّ عنده محل الحقيقة التي حجبها عن نفسه.
إن سوء النية يقوم على تزوير الواقع، وجعله مناسباً للرغبة، أو التنكر للوقائع وتجاهلها أو قراءتها بطريقة تنسجم مع هذه الرغبة.

الكنايات المخلوطة mixed metaphor
أخذنا هذا التعبير من كتاب «قلعة أكسل» لـ»أدموند ولسون»- ترجمة جبرا إبراهيم جبرا، وقد أشار المترجم إلى التعبير في هامش الكتاب ص/68/، وهي التي تكون تفاصيل الصورة الواحدة فيها مستقاة من مصادر لا صلة فيما بينها، وتعدُّ هذه الحالة من عيوب البيان، ويضرب لنا المترجم مثالاً على هذا النوع من الكنايات المخلوطة، كأن نقول: «عيناها نجمتان ريانتان» فتختلط بين النجمة وبريقها، وبين الوردة وريانها…
وتكثر هذه الصور الاختلاطية في الكتابات الجديدة الشعرية والنثرية، وربما لها أحياناً من يستسيغها أو يستحسنها. ولكنها تُعبّر عن فوضى في الخيال، وتشوش وقصور في عملية الضبط، وعدم انتظام الأشياء في ذهن الكاتب.

النثر الاندماجي
أشار إليه الألماني الناقد تيودور فايسنيورن في مقال بهذا العنوان، ويقول فيه: «عبارة النثر الاندماجي، تطلق على صيغة أسلوبية روائية تمثيلية تجمع بين الأصالة الفنية والتقليد، ويتداخل فيها الابتداع الشعري مع تقليد العمليات النفسية الواقعية الشعورية واللاشعورية، وفيها ينصهر المؤلف والشخصية التي يبتدعها، ويصيران على هيئة «أنا» يغلب عليها طابع الحديث المنفرد إلى وحدة واحدة، ولكنهما يظلّان منفصلين بعضهما عن بعض، على الرغم مما يبدو في الأمر من تناقض، وهنا مكمن الصعوبة في معالجة هذه الطريقة، ذلك أن الأديب، مهما نجح في التطابق مع الشخصية المبتدعة، يظل منفصلاً عن الشخصية بجزء من كيانه هو (وعيه الفني)، وإذا بالوحدة التي نرجوها مطلقة تظل نسبية. وأفضل مخرج من هذا المأزق، يتمثل في إخفاء الأديب هذا الجزء المنبثق من كيانه، أي العقل الفني المنظّم، إخفاءً يتّسم بالمهارة خلف الشخصية المبتدعة، حتى يصبح من غير الممكن كشفه.

القياس المضمر في المنطق
جاء هذا في كتاب «المغالطات المنطقية» لـ»عادل مصطفى»، وتعريفه: قياس منطقي حذفت منه مقدمته الكبرى أو الصغرى، إما لظهورها وإمّا للاستغناء عنها، وإما لإخفاء كذبها. ومن البيّن أن القياس الوارد أن تطوى مقدمتا القياس معاً، وينوب عنهما التعبير الانفعالي.
ونذكر أن مبادئ الفكر الكلاسيكي ثلاثةٌ: مبدأ الهوية، ومبدأ عدم التناقض، ومبدأ الثالث المرفوع. ويشير عادل مصطفى إلى مبدأ جديد يطلق عليه المبدأ النقديّ الجدليّ.

 

التاريخ: الثلاثاء29-10-2019

رقم العدد : 971

آخر الأخبار
سرقة 5 محولات كهربائية تتسبب بقطع التيار عن أحياء في دير الزور "دا . عش" وضرب أمننا.. التوقيت والهدف الشرع يلتقي ميقاتي: سوريا ستكون على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين إعلاميو اللاذقية لـ"الثورة": نطمح لإعلام صادق وحر.. وأن نكون صوت المواطن من السعودية.. توزيع 700 حصة إغاثية في أم المياذن بدرعا "The Intercept": البحث في وثائق انتهاكات سجون نظام الأسد انخفاض أسعار اللحوم الحمراء في القنيطرة "UN News": سوريا.. من الظلام إلى النور كي يلتقط اقتصادنا المحاصر أنفاسه.. هل ترفع العقوبات الغربية قريباً؟ إحباط محاولة داعش تفجير مقام السيدة زينب.. مزيد من اليقظة استمرار إزالة التعديات على الأملاك العامة في دمشق القائد الشرع والسيد الشيباني يستقبلان المبعوث الخاص لسلطان سلطنة عمان مهرجان لبراعم يد شعلة درعا مهلة لتسليم السلاح في قرى اللجاة المكتب القنصلي بدرعا يستأنف تصديق الوثائق  جفاف بحيرات وآلاف الآبار العشوائية في درعا.. وفساد النظام البائد السبب "عمّرها" تزين جسر الحرية بدمشق New York Times: إيران هُزمت في سوريا "الجزيرة": نظام الأسد الفاسد.. استخدم إنتاج الكبتاجون لجمع الأموال Anti war: سوريا بحاجة للقمح والوقود.. والعقوبات عائق