هناك، في واشنطن يبدو ترامب على كرسي سياسي متحرك وهو يتسول على عتبات الكونغرس الأميركي الذي أيد بأغلبية مطلقة البدء بإجراءات ليس عزله فحسب، بل البدء بإجراءات محو تلك المرحلة السوداء من ذاكرة الإمبراطورية الأعظم في التاريخ، الأعظم ليس في القوة والطغيان فقط، بل الأعظم في الغباء وصناعة الراويات البوليسية الأكثر إثارة للضحك والسخرية والاشمئزاز.
حتى (جثة البغدادي) التي ادعى ذلك الأحمق أنه رماها في البحر!؟، – هذا في حال كانت موجودة أصلاً – لم تستطع أن تصعد به إلى منصة الهجوم المضاد ضد خصومه وأعدائه في الدولة العميقة، بل على العكس من ذلك، فقد شدته معها إلى أعماق المحيط وتركته وحيداً يصارع أمواج العزل العاتية التي بدأت تضرب بشدة بعد تصويت الكونغرس على البدء بإجراءاتها فوراً.
ترامب الذي يقود اليوم معركته بعضلاته المحقونة بالدم والنفط ، بات اليوم في أشد الحاجة إلى من يمسك بذراعيه حتى يصل إلى شواطئ الانتخابات الرئاسية المقبلة، رغم أن (مسرحية قتل البغدادي) التي كان أحد أبرز أهدافها الداخلية توجيه ضربة قاضية للديمقراطيين، قد طرحته أرضاً، على اعتبار أن ذلك الحدث كان خارج الإطار الاستراتيجي للعاصفة السياسية التي خلقها جنون وسلوك ترامب داخل الكونغرس.
معركة عزل ترامب قد بدأت، وهاهي الجلسات السرية للتحقيق قد تحولت إلى جلسات علنية مباشرة، فيما بدأت إجراءات استدعاء الشهود تأخذ مجراها الطبيعي والقانوني وعلى رأس أولئك الشهود مستشار ترامب السابق ومهندس خراب وتدمير المنطقة جون بولتون الذي يتوقع أن يكون بيضة القبان في تحقيقات إجراءات عزل ترامب.
ويتوقع أن يتبنى مجلس النواب الذي يهيمن عليه الديمقراطيون قراراً يؤمن إطاراً رسمياً للتحقيقات ويسمح بتنظيم جلسات علنية بعد خمسة أسابيع من جلسات الاستجواب المغلقة التي استمع فيها الديمقراطيون إلى نحو 12 دبلوماسياً ومستشاراً للبيت الأبيض في جلسات مغلقة، وتفيد المعلومات التي تم تسريبها أن سفراء ومسؤولين كباراً أدلوا بإفادات مقلقة للبيت الأبيض خلال هذه الجلسات الطويلة، بعد كشفهم لتلك الجهود التي بذلها مقربون من الرئيس ترامب بمن فيهم محاميه الشخصي رودي جولياني، على هامش القنوات الدبلوماسية الرسمية، لإقناع كييف بتقديم معلومات مربكة بشأن بايدن.
ورغم انتقاد ترامب والمحيطون به بشدة سرية الجلسات متهمين الديمقراطيين لانتقاء عناصر تعطي صورة خاطئة للواقع، إلا أن القرار الذي سيعرض للموافقة عليه يهدف إلى حرمان هؤلاء من خط الدفاع هذا، كما ينص القرار على السماح للجمهوريين باستدعاء شهودهم في مرحلة التحقيق التي تشرف عليها لجنة الاستخبارات، ويقضي النص أيضاً بنقل الأدلة إلى لجنة قضائية تكلف صياغة مواد محضر اتهام الرئيس، وتفيد نسخة من النص أنه في هذه المرحلة سيسمح بمشاركة الرئيس ومحاميه، في حين سيدرس قاض فيدرالي في واشنطن طلب شاهد استدعاه مجلس النواب للإدلاء بإفادة ويؤكد أنه يعاني ضغوط الكونغرس والبيت الأبيض.
(صحيفة واشنطن بوست) قالت في وقت سابق إن البيت الأبيض قد أمر بالفعل أعضاء إدارة ترامب بعدم التعاون مع التحقيق بحجة ضرورة حماية عمل السلطة التنفيذية، هذا وسوف يكون لقرار القضاء تأثير كبيرعلى مواصلة التحقيق، أما السابع من الشهر الجاري فسيكون موعداً حسب المقرر لشهادة جون بولتون بعد أن استدعته اللجان النيابية الأميركية التي تتولى التحقيق في عزل ترامب، للإدلاء بإفادته في جلسة مغلقة.
فؤاد الوادي
التاريخ: الأحد 3-11-2019
الرقم: 17113