العادة أو العادات هي كل ما ألفه الشخص حتى صاريفعله من غير تفكير و هي حالة تتكرر على نهج واحد وصار يفعله من غير جهد .. يقول الأديب (أوف و لنجتون): « هل العادة حقا طبيعة ثانية ؟ كلا ،بل قل إنها عشرة أمثالها في القوة « و ليس ثمة من يدرك صدق هذه الحقيقة مثل الجندي المحنك ،و لا غرابة في ذلك فالتدريب اليومي و النظام الدقيق الذي لا هوادة فيه يخلقان في الجندي طبيعة جديدة و خلقا جديدا ..
العادة للمجتمع في منزلة محرك السفينة و هي في مقدمة العوامل التي بها نحتفظ بتراث الإنسانية فالمهم إذن أن نجعل الجهاز العصبي حليفا لنا لا عدوا ،و أن نكون منذ نعومة اظفارنا أكبر عدد مستطاع من العادات النافعة التي تصبح بها الأعمال التي نقوم بها تلقائية .
و أن نحذر العادات السلبية الضارة … يقول (وليم جيمز )وهو من أشهر علماء النفس الأمريكيين: « و ليس هناك أشقى من رجل لم تتأصل فيه من العادات إلا عادة التردد فهو يجعل كل عمل يبدؤه موضعا التردد و التأمل فيقضي نصف وقته في اتخاذ القرارات و التحسر على أشياء كان خليقا به أن يجعله شطرا منه بحيث ينجزها دون أن يحس بوجودها …
« هناك اربع قواعد أو محددات يجب أن تأخذ بعين الاعتبار كلما شرعنا في تكوين عادة جديدة أو نبذ عادة قديمة و هي أولا- التسلح بأقوى ما لدينا من عوامل الإقدام و العزم محاطا بسياج متين من العناصر التي تقوي ساعده و بهذا يكون البدء بالنجاح ميسورا و الجنوح إلى الفشل و الاستسلام اقل احتمالا و هكذا يتبدد التردد و الاستسلام إلى أن يصبح الفشل مستحيلا … ثانيا – لا تدع للاستثناء سبيلا إليك قبل أن تتأصل العادة فيك ،فكل استثناء يكون في منزلة كرة من الخيط تهوي إلى الأرض بعد حبكها و لفها بكل دقة و عناية .. و كلما هوت الكرة مرة أفسدت ما طوى عليها من الخيط مرات .. و الاستمرار في العمل و مواصلة المران بغير استثناء هو السبيل الوحيد الذي به يؤدي الجهاز العصبي وظيفته دون خطأ..
لأن الخيبة مثبطة لكل محاولة في المستقبل كما أن النجاح يزيد في النشاط و يدفع المبادر في ذلك العمل و المثال واضح جدا هنا عندما نجرب ذلك في اولادنا في طريقة تدريسنا و تلقيننا لهم العادات و السلوكيات و التصرفات اليومية الإيجابية..استشار أحد الطلاب ( غوته ) في أمر و لاحظ انه قليل الثقة بنفسه .فقال له : « آه ،انك لا تحتاج إلا ان تنفخ في يديك « و يدل هذا القول على الأثر الايجابي و الدافع الذي تركه نجاح جوتة المتواصل في نفسه .
عند محاولتنا ترك عادة أو سلوك سلبي كعادة ترك التدخين أو الادمان على الخمر فإن ذلك يدفعنا إلى تحمل فترة قصيرة من الألم الحاد فلنفعل ..فستأتي بعدها فترة من الراحة و تحول نحو حياة أجمل و أبقى.
ويستوي في ذلك تغيير مواعيد النوم و الاستيقاظ و تغيير السلوكيات القديمة و ستدهش بالنتائج عندما ترى الرغبات و العادات السيئة تتلاشى شيئا فشيئا ،بل إنها ستموت و إن كانت سابقا قوية اذا انت حرصت ألا تغذيها بشيء ابدا و بغير استثناء.
ثالثا – انتهز اول فرصة ممكنة متى سنحت و ليكن ذلك فورا لإخراج العزم من حيز التفكير إلى حيز العمل،فليست العبرة في العزم مجرد تكوينه و إنما العبرة في أثره الحركي إذ بهذا الأمر وحده تنتقل العادة المكتسبة الجديدة إلى الدماغ، فمهما كان عدد ما حفظناه من الحكم و الإرشادات و النصائح ،و مهمم تكن نياتنا فإن صفاتنا و اخلاقنا لن تتغير ان لم ننتهز كل فرصة سانحة للعمل بجدية .. يقول الفيلسوف الإنجليزي ( ستوارت مل) : إن الخلق إرادة تامة التكوين .
و الإرادة في المعنى الذي يقصده هنا هي مجموعة الميول و الاتجاهات التي بها نسخر اهم قوى الحياة و طاقتها بكل ما اوتينا من حزم و ثبات و سرعة وجرأة لمواجهة طوارىء الحياة الرئيسة .
رابعا و أخيرا- احرص على أن تكون نار جهدك دائمة الاشتعال و ذلك بتغذيتها يوميا بالمران..اي تعود القيام بعمل نافع يشق عليك عادة القيام به ،او تميل عادة إلى تجنبه حتى اذا اشتدت الحاجة يوما ما إلى تأدية مثل هذا العمل وجدت اعصابك قادرة على احتماله، كذلك الرجل الذي يروض نفسه يوما بعد يوم على قوة الإرادة و تركيز الفكر و إنكار الذات ، نحن حقا ننسج حظنا بايدينا حسن أو شاء و عبثا نحاول فك خيوطه بعد أن يتم نسجه .
من الخطأ أن نندم على نوع التربية التي نسير في طريقها فمهما يكن من شيء فإن النتيجة مضمونة ما دمت تعمل بأمانة يوما بعد يوم و ساعة بعد ساعة ،و ستسيقظ يوما لتجد نفسك أحد أولئك الذين يشار إليهم بالبنان ..
أيمن الحرفي
التاريخ: الجمعة 8-11-2019
الرقم: 17118