مرَّ علينا زمن في اللازمن، نتمنى لو يسقط من قائمة حياتنا، أو يختفي في كهوف تُغْلِقُ الانحدارات بواباتها بصخور لا تتزحزح، مدننا تعبت وعاقر الوجع الناس، والغربة أعيت حقائب السفر، رغم التزود بحب الوطن الذي يزيد من حدة سعارها.
الإرهاب المفتوح على وطننا بلا ضوابط، هُزِمَ أمام الحقيقة الراسخة في قلوب أبناء الوطن، والثوابت التي أرساها فينا فكراً وعقيدةً قائد التصحيح الذي أسس دولة قوية بشعبها رؤوم عليه بكل المعايير، زَرْعُهَا حبٌ، وقوامها عمل، وقطافها تنامٍ، وأفقها لا متناهٍ. حصينة بأصالة قيمها الإنسانية، لذا تجاوزت البطولة والرجولة والنبل.
وفي بحبوحة العيش، ورغد الحياة اختبأت نتوءات، تشربت سماً زعافاً ومدىً من التكفير والإرهاب صهرا إنسانيتها، ليعاد إنتاجها حقداً وجهلاً وهمجية، تُصعَّد توافه الأشياء كزبد البحر، بنيتها كلام تحريضي، ومزادات ترخص فيها الأرواح وتباع الحرائر سبايا، وتنشر ذرائع تثير هيجانات الغرائز وتبني عليها الأحداث الثقال.
مكونات أضاعت الثمين لتبقي الغثّْ، إلى أن وضحت هوية الصراع، وماهية المؤامرة الكبرى، وها هي تتجلى في تصاريح ترامب المرابي الذي يحتسي البترول لتستمر حياته، ودونه يموت اقتصادياً وسياسياً، ويخسر مريديه في لعبة المزادات.
لم يهزم المشروع الأميركي حتى النهاية، لذا لا بد من انبعاث عناصر فكرية وصياغة إيديولوجية جديدة، لنتمكن من الوقوف بعد الكبوة، لأنه في المطلق أننا عبرنا موجات الصدمة الأولى، وتلاشت براثنها التي حاولت الفتك بنا.
كفانا ما صرفنا من بنوك حياتنا، خلال التسع التي مرت على أوراق التقويم، تساقطها كأوراق الخريف النازفة لمقومات حياتها، كفانا انتظاراً لقطار غابت سككه على أمل عودة الفرح من عالم المجهول، لا بد للسواعد من إعادة بناء الحياة، لرسم الفرح في عيون الأطفال، بعيداً عن لعبة الحكي ونثر الكلام عن أمل مفقود، ليصبح واقعاً.
بوابات القلوب الصغيرة التي تنتظر الحب والسعادة من مدىًٍ غير مسقوف، بعيداً عن التكفير والإرهاب وسرقة القوت، وإفراغ البطون التي لا يمكنها العطاء وهي خاوية، مهما حاولنا تسليتها بحصىً وضعتها الأم يوماً في قدر بانتظار نوم الصغار.
لنسعى جميعاً لتصنيع ركائز الإبداعات، نبني عليها الحدث الأهم بعد كل نصر يحققه الجيش العربي، تنقية الفكر من الشوائب العالقة في العقول، طحالب أفكار تشكيكية، لُزُوجَتَها تزحلق التكوين الأصيل، الذي فطرنا عليه ليحل التدمير والقتل.
طائر الفينيق الناهض من تحت الرماد، يجب أن ينسلخ من أساطير المستحيل ليصبح حقيقة، تحيي القلوب المهملة من النسيان، وتحقن الحب في الأزاهير الذابلة، وتخرج أعمارنا من كهوف الابتعاد والنأي، وتوافه الأمور لتؤازر المناهضين لكل غاصب.
كل قارات العالم تواجه دولها اليوم شوارع تغلي، مختلفة المطالب، بين المحقة والمثارة بالعدوى، إلا أن الأغلبية العظمى تتم بتحريض خارجي، مدفوع الثمن من دول المصلحة، والعقل الاستعماري البريطاني والصهيوأميركي، يحاول تحقيق مشروعه، وخاصة في الدول المقاومة للكيان الصهيوني، في محاولة تفكيكه.
كلما أيقنت دول العداء لسورية أن مشروعها يهزم، يبدأ الاعتداء الصهيوني بقذائفه على سورية، حاولوا خنق الشعب السوري اقتصادياً بالحصار فكانت الصلابة الوطنية، الرد الذي تكسرت عليه مخططات إفشال الدولة السورية.
ما يغيظ أعداء سورية هو عودة المهجرين لمنازلهم، وأكثر ما يوجعهم ارتداد معظم من سار في ركابهم قَبْلاً، يثوب لرشده ويعود طيِّعاً للوطن، وفي ذلك خسارة التحالف جزءاً من ذراعه التي اعتمد أنه اشتراها لتحقيق مآربه على الأرض السورية للنهاية.
شهناز فاكوش
التاريخ: الخميس 21 – 11-2019
رقم العدد : 17128