قراءة… (القصة القصيرة جداً بين التبعيّة والاستقلال)…نظريات نقدية لجدلية النصوص الإبداعية

 

عرفت القصة القصيرة جداً كنوع أدبي في مطلع التسعينيات من القرن المنصرم، تبرز شرعية القصة القصيرة جداً، بوصفها نوعاً أدبياً، لها هويتها واستقلالها، فالقصة القصيرة جداً حالة نثرية ذات خصوصية فريدة، فهي وعلى رأي بعض النقاد فن فاضح لمن لا يمتلك موهبة لأنه يتطلب اللعب فوق رقعة محدودة وإمكانات مقتضبة بمهارة رجل السيرك، فإما النجومية الشارقة أو السقوط المدوي.
ومن هنا كان جلّ ما ابتغاه المؤلفان فندي الدعبل وزياد القنطار في كتاب (القصة القصيرة جداً بين التبعية والاستقلال) الصادر عن دار الغانم للثقافة، هو أن يكون للقصة القصيرة جداً هوية مستقلة إلى جانب المنظومات النثرية الأخرى، وهو ما حاولا إثباته وتلمس البراهين الدامغة له بعرض بعض الدراسات النقدية من خلال مفاهيم نقدية تليق بها، وتناسب مقتضياتها السردية ومفرزاتها.
فخلص بعض النقاد إلى استنتاجات مفادها أن القصة القصيرة (جداً) هي إحدى مقروئيات القصة القصيرة نظراً لتشابه التمركز في الأركان، فمعظم أركانها وميزاتها متضمنة أو منصهرة في المنظومات النثرية الأخرى.
تناول الكتاب النقاد الذين انقسموا إلى فريقين: فريق معارض لا يعترف بها جنساً أدبياً مستقلاً لها هويتها واستقلالها، وفريق آخر رحب بها وشجعها كظاهرة نثرية ترفض المألوف، وتنزع نحو التمرد وكسر النمطية السردية، فالقدرة على الاستشراف والابتكار هي قدرة لافتة مدهشة تعبّر عن مخزون هائل من التجارب الإنسانية والمواقف الحياتية، وهي لا تتوقف على جنس أدبي محدد، وهم يجيزون ويسوغون ظهور أنماط نثرية جديدة، مقاربين بذلك التطورات التي طالت المنظومة الشعرية.
سعى الفصل الثاني من الكتاب إلى إزالة اللبس أو الشبهة، بين القصة القصيرة جداً والأنواع الأدبية الأخرى، حيث تحلق القصة القصيرة جداً بالقرب من مداراتها، لكنها تبقى حريصة على ألا تدور بفلكها، فالقصة القصيرة جداً، تعالج المواضيع النفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية بأسلوب سردي مكثف سهمي يبتعد كل البعد عن الوصف، فالوصف لا مكان له في القصة القصيرة جداً، وهو العنصر الأكثر اختصاراً وتجاوزاً، حيث نلاحظ تداخل وتشابك الوصف مع السرد بعلاقة مترابطة ومتعاضدة، تهدف إلى إبراز الحدث الرئيس الذي يتناوله الكتاب.
وقد أوضح المؤلفان بكتابهما الفارق بين القصة القصيرة جداً والومضة الشعرية، موضحين الفوارق وسمات التشابه بينهما، فكانت السمات المشتركة، هي معمارية النص قصر الحجم، رشاقة السرد والاعتماد على الدهشة والمفارقة والتورية، أحادية الحدث، التكثيف السردي الشديد، عدم المباشرة، الاعتماد على القفل المدهش المفتوح، أو القفل القاطع الحاسم، أو القفل الصادم، أما الفوارق فالقصة القصيرة لا تعتمد على الحدث إلا بعد مروره على الرقابة الذهنية الصارمة للكاتب، التي غالباً ما يخاطب بها العقل مباشرة.
بينما الومضة الشعرية تناسب متدفقة عفو الخاطر، بانسياب عضوي شعري عميق، فاعتمدت القصة القصيرة جداً على علامات الترقيم الخاصة بها كالحذف والإضمار، بينما الومضة الشعرية لا تأبه بها لأنها تعوق انسيابيتها وتدفقها.
أما عن العنوان ففي القصة القصيرة جداً لا تستغني عنه أبداً، بينما الومضة الشعرية لا تقيم وزناً يذكر له، فالعنوان برأي (وليم امبسون) يشكل نصاً موازياً للنص، باعتباره عتبة الولوج الأولى ولحظة التجسير الأساسية بين المتلقي والنص، وذلك قبل الدخول في آليات التفكيك والتأويل.
استعرض الكتاب عدة نصوص لمؤلفي القصص القصيرة جداً، وقد اخترنا جزء الوظيفة التناصية للعنوان في هذا النوع الأدبي ومنها:
نص للكاتبة ريم الشعار بعنوان (كذبة كيوبيد) رسمنا قلوباً كثيرة عندما كنا صغاراً، وببراءة، غرزنا فيها السهام، تلك التي أصابت فجراً كبد المدينة وها نحن نجني الليل صقيعاً، فوق برك الدماء.
وكذلك نص للكاتب وسام أبو خشريف بعنوان (طروادة) أرسلت لها حمامات قلبي الزاجلة، فافترستها صقور حاقدة، تقدمتني جيوش محبتي، لكن ألغام العرف بيننا نسفتها، مشينا في اتجاهين متعاكسين عسى أن نلتقي يوماً!.
فيما تناول الكتاب الميزات والتقانات السردية في القصة القصيرة جداً، كالتكثيف وهو انضغاط الكلام إلى آخر الأمداء التي لا تسمح للكلام بعده من دخول دائرة الإبهام، والتكثيف على مستوى الدلالة فيعتمد المبدع إلى شحن لغته، وتغليفها بشيء من الغموض المحبب، أما التناص هو (كالأوكسجين فحياة النصوص مرهونة بتناصاتها المختلفة).
لقد قدما أفكاراً تم توظيفها من خلال الدراسات التحليلية والتفكيكية للكثير من المباحث النقدية النثرية وإسقاطها على النصوص الشواهد، كل ذلك لتحديد المصطلح في الأدبيات العربية الشعرية والنثرية معاً وهذا نابع من حال التبعية الثقافية والعلمية والفكرية، وبالتالي فإن نقل المصطلحات وترجمتها دون تفحص ومعرفة سوف يوقعنا في منزلق توظيفها الخاطئ في العملية السردية إبداعياً ونقداً.
رنا بدري سلوم

التاريخ: الأربعاء 25 – 12-2019
رقم العدد : 17154

 

آخر الأخبار
بقيمة 2.9مليون دولار.. اUNDP توقع اتفاقية مع 4 بنوك للتمويل الأصغر في سوريا حمص.. حملة شفاء مستمرة في تقديم خدماتها الطبية د. خلوف: نعاني نقصاً في الاختصاصات والأجهزة الطبية ا... إزالة مخالفات مياه في جبلة وصيانة محطات الضخ  الألغام تهدد عمال الإعمار والمدنيين في سوريا شهادة مروعة توثق إجرام النظام الأسدي  " حفار القبور " :  وحشية يفوق استيعابها طاقة البشر  تفقد واقع واحتياجات محطات المياه بريف دير الزور الشرقي درعا.. إنارة طرقات بالطاقة الشمسية اللاذقية.. تأهيل شبكات كهرباء وتركيب محولات تفعيل خدمة التنظير في مستشفى طرطوس الوطني طرطوس.. صيانة وإزالة إشغالات مخالفة ومتابعة الخدمات بيان خاص لحفظ الأمن في بصرى الشام سفير فلسطين لدى سوريا: عباس يزور دمشق غدا ويلتقي الشرع تأهيل المستشفى الجامعي في حماة درعا.. مكافحة حشرة "السونة" حمص.. تعزيز دور لجان الأحياء في خدمة أحيائهم "فني صيانة" يوفر 10 ملايين ليرة على مستشفى جاسم الوطني جاهزية صحة القنيطرة لحملة تعزيز اللقاح الروتيني للأطفال فيدان: الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا تزعزع الاستقرار الإقليمي الجنائية الدولية" تطالب المجر بتقديم توضيح حول فشلها باعتقال نتنياهو قبول طلبات التقدم إلى مفاضلة خريجي الكليات الطبية