الملحق الثقافي-سلام الفاضل:
محمد كرد علي ليس شخصية عادية، لم يحترف الأدب وحده، ولم يحترف المجتمع وحده، ولم يحترف السياسة وحدها، بل هو شخص جمع الكثير من الفضائل؛ فقد كان وزيراً للمعارف، وكان سياسياً وراسماً للثقافة والأدب، إضافة إلى ذلك فقد كان عاشقاً للعربية واستطاع بعشقه ذاك أن يكرس وقته وجهوده كاملةً من أجل إنشاء أول مجمع عربي في دمشق، هو المجمع العلمي العربي آنذاك، ومجمع اللغة العربية حالياً.
ترأس محمد كرد على مجمع اللغة العربية في دمشق حتى وفاته، واستطاع من خلال اهتمامه بالاستعانة بكوكبة من العلماء والأدباء، استطاع أن يُخرج أمهات الكتب العربية، وأن يُنجز كتباً في المصطلحات العلمية والزراعية، وأن يُصدر كتباً في الأخطاء الشائعة، وفي تصحيح الكتابة العلمية والعربية. واليوم، وبعد مئة سنة على تأسيس المجمع العلمي العربي الذي أسسه محمد كرد علي عام 1919 بجهده وفكره وتخطيطيه، يأتي كتاب (المجمعي محمد كرد علي… الرئيس الأول لمجمع اللغة العربية، راسم خطط الشام)، إعداد وتوثيق: د. إسماعيل مروة، ونزيه الخوري، والصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب، يأتي هذا الكتاب الذي يتضمن وقائع ندوة الأربعاء الثقافية التي احتفت خلالها وزارة الثقافة بهذا العَلَم الفكري والأدبي الكبير عبر تسليط الضوء على أبرز محطات حياته الحافلة بالإنجاز والعطاء.
من سيرته
استعرض د. عبد الناصر عساف في مداخلته مصادر تكوين محمد كرد علي العلمية والفكرية والثقافية، مستنداً في ذلك إلى مذكراته وآثاره الأخرى، والكتب التي اختصت بترجمته. وبيّن د. عساف أن محمد كرد علي تلقى تعليمه في المدارس الرسمية والخاصة كالمدرسة السباهية والمدرسة الرشيدية والمدرسة العازارية، على أيدي أساتذة كانوا من أعلام العلماء، وروّاد النهضة المتنورين كالشيخين طاهر الجزائري وسليم البخاري، والأستاذ محمد المبارك وغيرهم. كما أوضح د. عساف أن الأستاذ كرد علي أولع بالكتب والصحف منذ صغره فكان يلازم قراءتها، وقد طالع المطبوع من كتب الأدب العربي كالكامل والعقد الفريد ومقامات الحريري وكتب الجاحظ وابن المقفع والتوحيدي وسواها. ثم عرج د. عساف فيما بعد للحديث عن اشتغال محمد كرد علي في الصحافة وما كان من عمله في تحرير أول جريدة ظهرت في دمشق عام 1897، وهي جريدة (الشام) الأسبوعية، ثم دعوته للتحرير في مجلة (المقتطف) القاهرية عام 1900، ثم مشاركته في تحرير جريدة (الرائد المصرية)، وصولاً إلى ميلاد مجلة (المقتبس) العلمية الأدبية الاجتماعية، وهي المجلة التي أسسها محمد كرد علي عام 1906، وأتبعها بعد عامين بجريدة (المقتبس)، وهي جريدة يومية سياسية كانت تصدر في دمشق.
رسائل البلغاء
تخير د. عبد الكريم محمد حسين في مداخلته كتاب رسائل البلغاء لمحمد كرد علي، وهو أول كتاب في اختيار رسائل علمية أو أدبية بعد اختيارات العلماء في الشعر والنثر، وهذه الرسائل هي برتبة المقالات الرصينة صغر حجمها أو كبر.
بدأ د. عبد الكريم حسين دراسته بتبيان أسس الاختيار ومقاصده، ودراسة أقوال كرد علي في اختياره، وعرض مكونات الكتاب، وأسس اختيار المؤلفين واختيار موضوعات رسائلهم، واختيار كتاب مسائل الانتقاد أو رسائل الانتقاد. كما أنه تخير موقف كرد علي من شعراء الجاهلية، وزهير بن أبي سُلمى بالتحديد، متخطياً موقفه الطاعن في معلقة امرئ القيس وبعض أشعار زهير، نادباً النص المشار إليه في شعر زهير في موضوعه، مومئاً إلى محل قوله من المعلقة، مستأنساً بآراء من درسوا مسائل الانتقاد، مقدراً مجهودهم في موافقتهم ومخالفتهم سواء بسواء.
في المذكرات
عقد د. حسن الأحمد ورقته للحديث عن مذكرات محمد كرد علي، وأشار إلى أن كرد علي بدأ بكتابة هذا العمل الضخم عام 1939، ونشر جزأين منه، ثم نشر جزأين آخرين عامي 1949، و1951 على التوالي. وفي عام 2008 قام قيس الزرلي بتحقيق الجزء الخامس، الذي نشره المعهد الفرنسي للشرق الأدنى في دمشق.
ويتابع د. الأحمد بأن المذكرات هذه لا تأخذ سمة المذكرات المتداولة اصطلاحياً بكل تفاصيلها، كما أنها لا تعد كذلك نوعاً من أدب السيرة الذاتية، بل إنها تمثل ما يشبه المراقب والموقف النقدي الإصلاحي من العصر وأعلامه ونظام حياته، ويمكن القول إن هذه المذكرات هي نوع من «التاريخ الثقافي» الذي يرصد واقع المجتمع العربي في النصف الأول من القرن العشرين بتفاصيله العامة والحياتية التي عاينها كرد علي عن قرب.
الشام وغوطتها
يقف د. إسماعيل مروة في ورقته عند كتاب آخر من كتب محمد كرد علي وهو كتاب (غوطة دمشق)؛ ويرى د. مروة أن محمد كرد علي كان محباً للشام، وكان محباً لغوطتها لذلك فهو قدمها بصورة تعبر عن هذا الحب، وتعبر عن هذا الولاء، وهو في هذا الكتاب لم ينكر أنه عاش في الغوطة، وأنه استمع لكبارها، فهو يورد فيه الكثير من الأحاديث التي استمع إليها من أهل الغوطة الذين عايشهم.
التاريخ: الثلاثاء 31-12-2019
رقم العدد: 980