ولى زمن الوعود الأميركية من طراز خطة مارشال لإعادة البناء, والتجارة والقروض والنهوض بالبنية التحتية، وهي حقيقة لم تقدم شيئاً في تلك الحقبة من الانحطاط الرأسمالي، وأسلحة العقوبات انتشرت إلى درجة أنه لا يكاد يمر أسبوع دون أن نسمع عن عقوبات جديدة، حتى ضد حلفائها القدامى.
في شهر تشرين الأول لوحت الولايات المتحدة باتخاذ عقوبات صارمة ضد تركيا، وهي العضو في التحالف العسكري لحلف شمال الأطلسي منذ 70 عاماً وتحت القيادة الأميركية.
وفي شهر تشرين الثاني أعلن ترامب ودون سابق إنذار عن عقوبات أشد صرامة ضد نيكاراغوا واصفاً إياها ب»التهديد للأمن القومي»، كما أعلن أن المكسيك تشكل تهديداً «إرهابياً» ورفض استبعاد أي تدخل عسكري ضدها، ومن الجدير ذكره أن حكومة البلدين منتخبة ديمقراطياً.
وثمة عقوبات أخرى اعتمدها الكونغرس بالإجماع، كالعقوبات ضد هونغ كونغ لمساعدة المظاهرات الممولة أميركياً.
لكن السؤال المطروح: هل هناك إمكانية لمعاقبة الولايات المتحدة بموجب التدابير والإجراءات التي تؤكد من خلالها حقها في تخريب بلدان أخرى؟
النائب العام في المحكمة الجزائية الدولية « فاتو بينسودا» طالب في تشرين الثاني من عام 2017 بهذا الأمر معتمداً على محكمة العدل الدولية في لاهاي بفتح تحقيقات رسمية بجرائم الحرب التي ارتكبتها طالبان والقوى الأفغانية والجيش الأميركي ووكالة الاستخبارات الأميركية «سي آي إيه».
وفكرة الدعوة باتهام الولايات المتحدة بارتكاب جرائم حرب أدت بمستشار الأمن القومي السابق في البيت الأبيض جون بولتون إلى تهديد القضاة والمسؤولين في المحكمة الجزائية الدولية بالتوقيف والعقوبات إذا ما فكروا حتى بتوجيه اتهام إلى القوات الأميركية العاملة في أفغانستان، وتجرأ بالقول: «إذا ما جاءت المحكمة إلينا أو إلى اسرائيل أو حلفائنا فلن نقف مكتوفي الأيدي»، وأضاف «إن الولايات المتحدة على استعداد لفرض عقوبات مالية وتجريم مسؤولي المحكمة إذا ما قاموا بملاحقة أي فرد أميركي.. وسنمنع قضاتها ونوابها من دخول الولايات المتحدة، وسنعاقب مؤسساتها من خلال النظام المالي الأميركي وسنقوم بملاحقتهم من خلال النظام الجزائي الأميركي.. وسنقوم بالأمر عينه تجاه أي دولة تقدم مساعدة في أي تحقيق تجريه المحكمة الجزائية الدولية.
وقد استشهد بولتون بقرار قادة فلسطينيين لاحقوا مسؤولين «إسرائيليين» أمام المحكمة الجزائية الدولية بانتهاكات لحقوق الإنسان، قضاة المحكمة فهموا الرسالة، فعلى الرغم من «القاعدة المنطقية» لاعتبار لمحاكمة جرائم الحرب المرتكبة في أفغانستان، إلا أن إجراء الملاحقات لن تكلل بالنجاح، وبالتالي فإن التحقيق «لن يصب في مصلحة العدالة».
النائب العام بيسودا لكي يقدم تحقيقاً نزيهاً وغير منحاز رأى تأشيرة دخوله الأميركية وقد ألغيت من قبل وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو.
إن العقوبات سلاح النظام الرأسمالي العالمي تستخدمه الدول الأقوى ضد الدول الأكثر ضعفاً ونمواً فمنذ مئة عام، اعتبر الرئيس الأميركي ودروو ويلسون عام 1919 أن العقوبات بمثابة سلاح صامت، لكنه قاتل وهو يمارس ضغطاً لا يمكن لأمة في العالم الحديث احتماله.
وتظهر العقوبات أيضاً كيف أن القوانين الرأسمالية تحمي حقوق حفنة من أصحاب رؤوس الأموال الذين يملكون أكثر من نصف سكان العالم.
الولايات المتحدة بترسانتها النووية الأكبر على سطح الكوكب و800 قاعدة عسكرية تؤكد بأنها بدأت حروبها في العراق وأفغانستان وليبيا وجمهورية كوريا الديمقراطية وإيران التي كلها في نظرها تمثل أكبر تهديد للسلم العالمي.
ففي مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة , نجحت الولايات المتحدة في تحرير عقوبات صارمة ضد ايران وكوريا الديمقراطية ,وهددت عشية إجراء»مناورات عسكرية» بأنها ستزيد من حجم اعتداءاتها من خلال هجومها العسكري المفتوح .
وهذا التهديد يوضح بما يكفي أن على الأعضاء الآخرين الوقوف بالصف للتصويت على العقوبات أو الامتناع عن ذلك .
خلال فترة التسعينيات من القرن الماضي ,استخدمت الحكومة الأميركية سلاح العقوبات ضد العراق لتدمير الإنتاج الزراعي وتلويث المياه .كما استخدمت تأثير هذه العقوبات على نطاق واسع لتهديد دول أخرى .
وعندما سئلت مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية في عهد الرئيس بيل كلنتون ,عن نصف مليون طفل عراقي الذين لقوا حتفهم من جراء العقوبات ضد العراق ,أجابت بالقول:»نعتقد أن ثمن ذلك يستحق العناء» .
أما العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على ايران امتدت 40 عاماً بعد الثورة الإيرانية .واستمرت العقوبات والحصار ضد كوبا مدة 60 عاماً .
إن العمل على فضح سياسة العقوبات تحد كبير يجب أن يجعل وسائل الإعلام تكسر الصمت وتندد بالجريمة وتفضحها. وعلينا أن نظهر الوجه الإنساني للمعاناة . فلا يمكننا أن نترك الدول المستهدفة تقاتل وحدها ,وعلينا أن نوحد جهودنا .فغالبية الدول التي تعرضت للجوع من جراء العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة يجب أن تظهر في وضح النهار.ومرحلة رفض جور وظلم الرأسمالية هي بفضح الدور الإجرامي للبنوك والمصارف .
إن حشد الرأي العام العالمي لمواجهة العقوبات باعتبارها جريمة حرب تبدأ بالمطالبة بأيام عمل دولية لمناهضة العقوبات والحرب الاقتصادية بين 13 و15 من شهر آذار عام 2020 ,وأن تكون شعاراتها :»الموت للعقوبات! العقوبات هي الحرب ! أوقفوا العقوبات حالاً!» . والمظاهرات الدولية المنظمة هي مرحلة أولى لابد منها .البحث عن شهادات,حلول تقدمها النقابات,الجماعات الطلابية ,العاملون في مجال الثقافة والمنظمات الدولية ,حملات على شبكات التواصل الاجتماعي ,تقديم المساعدات الطبية والإغاثية للدول التي تتعرض للعقوبات ,فالجميع يمكن أن يلعب دوراً .وكل نوع من الحملات السياسية لفضح جريمة العقوبات الدولية هو مساهمة جوهرية وبناءة .
موندياليزاسيون
دائرة الدراسات والترجمة
التاريخ: الجمعة 10-1-2020
الرقم: 17165