تؤدي النشاطات المختلفة المقدمة للأطفال دورا كبيرا في اكتشاف الموهوبين وفق جملة من الشروط التي تؤكد أهمية التخطيط لنوعية البرامج للتعرف على أدوات اكتشاف الموهوبين من خلال توظيف نظرية الذكاءات المتعددة وتقديم الأنشطة المناسبة لها .
الأستاذة سهى بسيسيني رئيسة شعبة رياض الأطفال في مديرية التوجيه بوزارة التربية ،والمشرفة التربوية على منصة التعلم المبكر في مركز تطوير المناهج التربوية ترى في بحثها أن الطفل يولد ويكون لديه استعداد فطري ليكون مشروعا مبدعا ،لكن الإشكالية القائمة تبدأ برأيها من عبارات الأهل التي تسأل: كيف أعرف أن طفلي موهوب،مبدع،وكيف أوجه موهبته لمكان يساعده في تنمية الموهبة ،وبالتالي فإن المعلم والمدرب والمشرف يجب أن يكون عنده القدرة على اكتشاف الموهوبين،لأن الموهبة مثل الذهب اذا لم يشر لها ويلقى الضوء عليها،يمكن أن تندثر رغم وجودها،لذلك هناك حاجة دوماً إلى الممارسة والتدريب وصقل المواهب منذ الطفولة المبكرة.
وتعرف بسيسيني الطفل الموهوب عمليا انطلاقا من التعريفات التقليدية للذكاء، بأنه الفرد الذي يستطيع تطبيق ما تعلمه في مهمات عملياتية ،وكذلك استخدام وتنفيذ المعرفة الضمنية التي لا تدرس بصورة مباشرة في المدرسة ،والموهوب من هذه الفئة يعرف ما الذي يحتاج إليه للنجاح في بيئته؛ ويكشف عن ذكائه في أوضاع ومواقف ذات محتوى محدد.
أما الموهوب المتوازن حسب رأيها فهو الفرد الذي يتمتع بقدرات تحليلية وإبداعية وعملية ويعرف متى يستخدم أيا منها. ويرى ستيرن نبرج أن نظريته والتطبيقات العملية التي نتجت عنها تصلح لبناء نماذج خاصة بالكشف عن الموهوبين ولاسيما أن جميع اختبارات الذكاء تعتمد على التحصيل الأكاديمي وليس لها ارتباط وثيق بأي ممارسات حياتية أو خبرات تراكمية.
ويلاحظ من خلال التعريفات السابقة بأن مفهوم الموهبة التقليدي ينظر إلى الطفل الموهوب بأنه الذي حصل على درجة ذكاء عام معينة، أما حديثاً لم يعد يقتصر على معدل ذكاء الطفل أصبح يعتمد على القدرات الخاصة التي يظهرونها في مجالات معينة (رسم ، موسيقا ، رياضيات وغيرها).
أيضا الطفل الموهوب من يكون عنده معامل الذكاء ١٣٠ وما فوق ويؤكد عالم النفس الأميركي روبرت ستيرمبرغ أنه ليس مهما الاعتماد على معدل الذكاء لاكتشاف الموهبة،وبالتالي يمكن تصنيف الموهوب بأنه شخص لديه القدرة على التحليل والنقد والمقارنة بشكل كبير ،أما الموهوب ابداعيا من يكون لديه القدرة على التخيل والإبداع وتوليد الأفكار فيما الموهوب عمليا هو القادر على إجراء التجارب بمهمات عملية أو يتمتع بقدرات تخيلية. موضحة انه من خلال تعريفات الموهبة التقليدية لانستطيع أن نحدد الموهوب إلا من خلال معدلات الذكاء ولكن من خلال تصنيفات عالم النفس الأميركي أنه ممكن ان تتجه إلى تصنيف آخر بعيدا عن معدل الذكاء..
وحول الخصائص التي يجب أن يتمتع بها الطفل الموهوب توضح بسيسيني، أن العديد من الأطفال يكون سلوكهم غير عادي (المشاكس على سبيل المثال)وهذه عبارة تتحفظ عليها لأن من خصائص الطفل الحركة. ومن وجهة نظر بعض علماء النفس هناك خصائص إيجابية وأخرى سلبية ، فالإيجابية التي يتصف بها الطفل الموهوب من حيث تمتعه بالقدرة على تكوين علاقات اجتماعية ويمتلك روح الصداقة والحضور الاجتماعي ولديه رغبة قوية بالتفوق (عنده خيال خصب) وقد يكون لديه صفات سلبية كأن نقول عن الأطفال الذين لديهم طاقة حركية كبيرة (مشاكسين) غير جديين، قد يكون لديهم صعوبات باللغة والرياضيات والمنطق والحساب، أي أن هناك اضطرابات سلوكية معينة ،مع العلم ان الاضطراب في سلوك الطفل مرده إلى نقص في إشباع حاجاته من طعام وشراب ، حب وحنان وأمان.
وعن ماهية الاختبارات لاكتشاف الموهوبين ذكرت رئيسة شعبة رياض الأطفال بوزارة التربية أن هناك عدة خطوات أهمها الاختبارات الموضوعية والسمات الشخصية، السجل الأكاديمي للطفل ، اختبارات الاستعداد والدوافع كمقاييس الدافعية والانجاز ، وهنا يأتي دور المعلم أو المدرب الذي قد يلاحظ الموهوب خلال درجاته،سلوكه ،موهبته ،حيث بعض الأهل والأقران يلاحظون مواهب مختلفة للطفل كالرسم على سبيل المثال وقد يستشف المعلم العديد من المواهب ونتاج الطالب الاتكالي والإبداعي، لاسيما وأن الباحثين يركزون على العمليات الذهنية والسلوك عند الطفل والتي ساهمت في مدخل نظريات الذكاءات المتعددة وتطبيقاتها التربوية وكيفية ربطها باكتشاف الموهبة.
وتذكر بسيسيني ما قاله العالم الأميركي كارنر، من أن كل فرد فينا يمتلك ثمانية أنواع من الذكاءات تعمل بطريقة متناغمة ومعظم الناس يستطيعون تطوير كل ذكاء من الذكاءات وفقا للبيئة المحيطة والثقافة التي يعيشونها لأن وجود الاستعداد الوراثي وحده لا يكفي ، بغض النظر عن نظريات الوراثة والبيئة. وإذا ما عرجنا على هذه الذكاءات نجد أن الذكاء اللغوي اللفظي يرتبط بالقدرة على التعامل مع الكلمات واللغة المكتوبة والمسموعة ، حيث يتضمن التعرف على التراكيب اللغوية وإعطاء معان ودلالات معينة تتفق مع الموقف ويظهر هذا النوع من الذكاء عند الأدباء والشعراء والكتاب والمفكرين، وتكمن أهمية هذا الذكاء في القدرة على استخدام الكلمات والألفاظ والمعاني و تسلسل الكلمات في مهاراتي التحدث والكتابة،كما يتميز المتعلم بطلاقة الحديث والقدرة على تعلم كلمات وألفاظ وتعابير جديدة بكل سهولة. فيما المهارات تتصف بالتحدث ، الكتابة ،قص الحكايات ، الشرح والإيضاح ، فهم وتصريف معاني كلمات، تذكر المعلومات ، إقناع الآخرين بوجهات النظر ، تحليل الاستخدام اللغوي، إتقان الألعاب المعتمدة على الكلمات.
أما الوظائف المستقبلية ، فقد تكون في مجال تدريس اللغة ، الصحافة ، المحاماة ،الترجمة ، تأليف القصص والروايات ، مجالات الشعر والفنون الأدبية.
وفيما يتعلق بالذكاء المنطقي الرياضي فتكمن أهمية هذا الذكاء في القدرة على استخدام السبب والأرقام والمنطق ويهتم المتعلم بأنماط التسلسل المنطقي والرقمي لإيجاد علاقات بين المعلومات كما يهتم بإجراء العمليات الحسابية وأداء التجارب الرقمية ، ومهارات هذا الأسلوب تكمن في تنظيم وتصنيف المعلومات والتعامل مع المفاهيم المجردة لاستنباط العلاقات بين الأشياء وأداء التجارب المحددة ، وأداء العمليات المعقدة والمركبة، مع سهولة التعامل مع الأشكال وإثارة التساؤلات حول الأحداث الطبيعية، والوظائف المستقبلية لأصحاب هذا النوع من الذكاء يمكن أن يكونوا مدرسي رياضيات ، مبرمجي الكمبيوتر ، الهندسة، المحاسبة، حيث توصيفه هنا أن الطفل لديه القدرة على توليد الكلمات ،بطاقة لغوية يعيد سرد قصة مهمة وقدرة على حفظ المفردات وصياغتها جملا ، ويمكن ان نرى هذا الشيء من خلال حكايات تتعلق بالتراكيب اللغوية إذ يركز الطفل على هذا النوع من النشاط حين يقدم له هذا النوع ما يناسب من الألعاب فنراه يبرع في الشعر والأدب ،وقد يصبح محاميا او صحفيا.
الذكاء الاجتماعي.. وتكمن أهمية هذا الذكاء في القدرة على فهم ومشاركة الآخرين حيث يحاول المتعلم أن يرى الاشياء من وجهة نظر الآخرين للتعرف على نمط تفكيرهم وفهم مشاعرهم ، والقدرة على التنظيم مع الآخرين إضافة إلى استخدام اللغة اللفظية وغير اللفظية من أجل إقامة علاقات ووسائل اتصال مع الآخرين .
وتكمن المهارات المميزة لهذا النوع ،هوالاستماع للآخرين وتفهم طبائعهم ومشاعرهم ، والتشاور مع الآخرين والعمل ضمن مجموعات ، بغية التواصل مع الآخرين ، مع ملاحظة توجهات ومحفزات ونوايا الآخرين ، إضافة لبناء الثقة ومحاولة التوصل للحلول أثناء الخلافات .أما الوظائف المستقبلية لهذا النوع فهي أن يكونوا مستشارين ، رجال سياسة ، رجال أعمال ، موظفي مبيعات .
الذكاء الذاتي الشخصي : وأهمية هذا الذكاء تبرز في القدرة على فهم الذات والتعرف على كينونتها ،فهم المتعلم لمشاعره وأحلامه وتنظيم حركة علاقاته مع الآخرين ، تعرف المتعلم على مكامن القوة والضعف لديه ، اتخاذ القرار المعتمد على حاجات المتعلم ومشاعره وأهدافه الذاتية . وفيما يخص مهارات هذا الذكاء : فهم الذات وتحليلها ، تقييم طريقة التفكير ، التخطيط الجيد ، فهم المتعلم لدوره بين الآخرين أداء المشاريع المعتمدة على الجهد الذاتي ، عكس القدرات الذاتية للمتعلم لتوجيه أسلوب ممارساته .
الوظائف المستقبلية ،هي في مجالات العلوم الفلسفية ، واضعي النظريات ، مجالات البحث والاستفسار.
فيما الذكاء الطبيعي يتضح من خلال اهتمام المتعلم بالطبيعة والكائنات الحية ، يستمتع بمكونات الطبيعة والبحث في تفاصيلها ( النبات ، الحيوان ، الصخور ، التربة…) ويبرع في مشاريع مختلفة كما يستشعر جمال الطبيعة ليكون في المستقبل متخصصا وخبيرا وربما يكون عالما بها .
في حين يعتمد الذكاء البصري المكاني على فهم الصور والخرائط والعلاقات المكانية فنجد الأطفال يبدعون بهذا الجانب من خلال الألعاب المكانية ويمكن أن يزرع هؤلاء في المستقبل بذرة تأخذ صفة فنان أو مهندس معماري .
فيما الذكاء البدني والحركي يتميز أصحابه بالقدرة على تناسق الحركات وأداء الأدوار في الرقص والتمثيل وغيرها .
أما الذكاء الموسيقي هو القدرة على أداء الألحان والتأليف وسماع الأغاني وقد يستشعر النشاز في اللحن ويمكن أن يصبح ملحناً موسيقياً.
وقد أضيف مؤخراً نوع تاسع من الذكاءات وهو الوجود الذي يهتم بمسائل الموت والحياة والخلق والخليقة ، ويبرع فيه الفلاسفة والزعماء الدينيون والعلماء وغيرهم.
دور البيئة المحيطة
وفيما يتعلق بالنتائج والتوصيات التي توصل إليها البحث توضح رئيسة شعبة رياض الأطفال أن معدل الذكاء العام لا يعد مؤشرا لموهبة الطفل ، بل أثبتت نظرية الذكاءات المتعددة بأن الطفل الموهوب قد يبرع في مجال دون آخر ويمكن للمربين اكتشاف الطفل الموهوب من خلال أدوات القياس وخصائص معينة يتصف بها.
كما أن النشاطات المتنوعة المقدمة للطفل في كل المجالات لها دور كبير في الكشف عن الموهبة وتنميتها وهذا ينسجم مع دور البيئة المحيطة في تنمية الموهبة والإبداع ، ويمكن الاستفادة من نظرية الذكاءات المتعددة في ملاحظة سلوك الطفل وأدائه أثناء قيامه بالأنشطة المتنوعة التي تبرز ميوله واستعداده حتى نجد الطبق السليم في تغذية شعلة الإبداع بدلا من أن تنطفئ في بيئة غير مناسبة.
أيضا يحتاج اكتشاف الموهوبين ورعايتهم لبرامج خاصة يخطط لها وفق أسس علمية ، ويعمل على تنفيذها مختصون يتم تمكينهم من أدوات رعاية الموهوب ورعايتها بما يساهم في تربية المبدعين والمخترعين الذين سيعززون المسار ويحملون المشكلات بإبداعاتهم في المجالات كافة.
غصون سليمان
التاريخ: الجمعة 7-2-2020
الرقم: 17187