حينمــا تتحـول المواقــف إلـى مفاصــل في الزمـــــن

كم سيدور الإنسان العربي على ذاته لتلتقطه زاوية ضيقة يرى فيها الأحداث وهو مأزوم وتتجاوزه الأحداث وهو مازال يطلق الآهات ويتلمس موضع قدم يتشبث به ثم يرتهن إلى ما سوف تؤول إليه الوقائع، وعند البوابة المأفونة يستدرك هذا العربي وجوده ومآسي الواقع ثم يسلم القيادة والافتراض للسماء مرة وللشعارات المجوفة مرة أخرى والأحداث المرة كما هو الحال في نموذجها الأخطر صفقة القرن الأميركية الإسرائيلية الإرهابية.
لا تلوي على هذا الإنسان ولا تتوقف عند بكائياته ولاتكترث بشعاراته الملتهبة والبدائية لأن القوى المعتدية تعلم تماماً أن الأمر والنهي بيد الحاكم شيخاً كان أم أميراً أم ملكاً ذا جلالة أم رئيساً ذا سيادة، والسقوط يخترق في العمق وينتشر في الأفق، والأحداث تمر من سيىء لأسوأ، ومن اعتقد بأن وعد بلفور منذ الربع الأول من القرن العشرين لن يتكرر يكتشف الآن أنه يتكرر بجدارة في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، وكل الذي استجد هو استهلاك مئة عام لكي يعود وعد بلفور من جديد ولكي ينتقل القرار من بريطانيا المستعمرة إلى أميركا المتوحشة والمستعمرة.
وما بين زمن وآخر تتكاثر الجراح في الجسد القومي وتنتهك المقدسات إلى الدرجة التي يصبح الكثير من الحكام العرب هم من مفردات المشروع الأجنبي ومن «المنتخين »المتحمسين للعدو الصهيوني إن في مؤسسات هذا العدو أو في نظرته للعرب وقضاياهم أو في السلوك القائم على نزعة سفك الدم وتقطيع الأوصال ونهب الثروات، وتجاوز العرب بكثير من الاحتقار وقليل من الافتراضات الطبيعية والمقدمات لصفقة القرن كانت صارخة ومنتشرة، وفي الزمن القريب بدأت مع كامب ديفيد ثم مع أوسلو ووادي عربة ثم مع المنهج الذي اعتنقه القادة الفلسطينيون وقد التزموا بتلك القاعدة التي تؤكد أن أي شيء هو أفضل من لاشيء بعد أن تنبهوا إلى المنطلق المكلف والذي أخذت به كل أمم الأرض والقائم على أنه لابد من كل شيء ولا مجال للتجزئة والمفرق والبيع والشراء بالقضايا المصيرية وبتاريخ الأمة وثوابت هذه القضية الكبرى أو تلك.
لقد سمعنا إن كان بعضنا ما يزال لديه حاسة السمع أن أميركا في عهد ترامب الرئيس الخامس والأربعين في سلسلة الغرائز الهمجية والشبق الدائم للقتل والتدمير والنهب، وأخذت أميركا قرارها باعتبار القدس كاملة من شرقها إلى غربها هي عاصمة الكيان الاسرائيلي على أساس المعتقد التلمودي الذي ينص على أن القدس وفلسطين كلها هي إرث أتباع الديانة اليهودية ولديهم نص يؤكد في ذلك «أنه أينما وطأت أقدامك الأرض أيها اليهود فهي ملك لكم» ومن ينحرف عن هذه القاعدة يخرج عن العقيدة التلمودية وينبذ بل يصفى سياسياً وعضوياً في حالات كثيرة.
ثم جاء القرار الأميركي الصهيوني باعتبار الجولان العربي السوري هو من ممتلكات الكيان الإسرائيلي ولابد من السيطرة عليه واستثماره تبعاً للسياسة الصهيونية ذاتها، وهكذا صارت المستوطنات أوطاناً مزعومة لليهود، وفي المعيار الاقتصادي يدخل للكيان الصهيوني ما يعادل الأربعة مليارات دولار من الشمال السوري وعبر رياضة التزلج على الجليد في منطقة جبل الشيخ وسفوحها.
وهناك دخل للكيان الإسرائيلي يصل إلى الستة مليارات من خلال الاستثمارات في منطقة الحمة في الجنوب حيث نعمة المياه المعدنية والكبريتية بكل خصائصها وفوائدها التي مازال الجيل الذي شارف على الانقراض يتذكر الرحلات إلى تلك المنطقة في الحمة السورية واليوم وعلى الدور هناك قرار قادم لاعتبار الأغوار ما بين الأردن وفلسطين هي ملكية للكيان الصهيوني مادام الوضع هناك يشير إلى فراغ حكومي والمسألة «داشرة» تماماً.
وهذه الأغوار هي سلة الغذاء للكيان المعادي وهي مجال الاستثمار الزراعي والصناعي هي مصدر المياه للشرب أو للري، والصورة تتكامل بكل ما فيها من وحشة والنظام السياسي العربي صار ذراعاً خبيرة في التسلل للعدو نفسه وفي التغطية على الحقوق والمواقف في الصمود والعطاء، وبعد مازالوا يسألون بخبث وتخابث كيف تجرأ ترامب ونتنياهو على إطلاق صفقة القرن.

د. أحمد الحاج علي
التاريخ: الثلاثاء 11-2-2020
الرقم: 17190

آخر الأخبار
تراجع ملحوظ  في إنتاجية العنب بدرعا.. وتقديرات بإنتاج 7 آلاف طن   وزير الاقتصاد يبحث في حلب مع وفد تركي فرص التعاون والتطوير العقاري حلب تستضيف الندوة التعريفية الأولى لمشروع "الكهرباء الطارئ" في سوري الإنسان أولاً.. الصحة تطلق مشاريع نوعية في ذكرى استشهاد محمد أمين حصروني بحث عودة جامعة الاتحاد الخاصة وتسجيل طلاب جدد التحالف السوري- الأميركي يدعو الكونغرس لرفع كامل العقوبات عن سوريا لتراجع إنتاجيته .. مزارعو عنب درعا يستبدلونها بمحاصيل أخرى تركة ثقيلة وخطوات إصلاحه بطيئة.. المصارف الحكومية تراجع دورها ومهامها استئناف العمل بمبنى كلية الهندسة التقنية في جامعة طرطوس فرص استثمارية ودعم للمبدعين.. "التجارة الداخلية" في جناح متكامل بمعرض دمشق الدولي "الجريمة الإلكترونية والابتزاز الإلكتروني".. التركيز على دور الأسرة في مراقبة الأبناء وتوجيههم إزالة 22 تجاوزاً على مياه الشرب في درعا سبعة أجنحة للاتحاد العام للفلاحين بمعرض دمشق الدولي.. غزوان الوزير لـ "الثورة": منصة تلقي الضوء عل... " سوريا تستقبل العالم " .. العد التنازلي بدأ.. لمسات أخيرة تليق بدورة معرض دمشق الدولي    ترامب يهدد مجددا بفرض عقوبات على روسيا من الحرب إلى المعرض.. سوريا تكتب فصلاً جديداً  المجاعة تتفاقم في غزة والفلسطينيون يلجؤون للمطابخ الخيرية إسرائيل تغلق شرايين الحياة في غزة.. وانتقادات للمساعدات الجوية ورشات محافظة دمشق تكثف جهودها الخدمية استعداداً لانطلاق معرض دمشق الدولي معرض دمشق الدولي ..رسالة بأن سوريا منفتحة على العالم