لايزال الهم الثقافي والاجتماعي والهم اليومي للمواطن يشكل المحور الأساس في البرامج والملتقيات والندوات التي تتربع على المنابر سواء في المراكز الثقافية أو حتى في المنتديات الخاصة، وليس هذا من فضل الكلام، بل هو واجب يحتمه دور المثقف وأصحاب الشأن أن يكونوا لسان حال وصوت المواطن الحر، عسى أن يشكل ذلك حراكا من أجل الارتقاء بالمجتمع والوعي في المجالات كافة.
وعلى الجانب الآخر فإن الفعل الثقافي إن لم ينبع من رؤية واعية للمشهد الثقافي الحالي ورؤية مستقبلية ثاقبة تستطيع التنبؤ بالتغيرات القادمة وفقا للمعطيات الحالية، فإن هذا الفعل لن يكون ذا أثر على الساحة الثقافية.
ومن هذا المنطلق نشأت فكرة «مكاشفات» علها تكون مشكاة عبور نحو أسلوب جديد في الحوار الثقافي الصريح الذي ينطلق من المحبة وينفتح على المحبة.
الجلسة الأولى
ومن فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب بدمشق كانت البداية للجلسة الأولى لملتقى «مكاشفات» وهي فعالية شهرية حوارية ثقافية اجتماعية أدبية منوعة، بين فيها د.محمد الحوراني أن فكرة مكاشفات هي للتكامل والتشاركية بين المحاضر أو صاحب الفكرة وبين المتلقي، ذلك أنه لايمكن بحال من الأحوال أن ينتج الفعل الثقافي دون مشاركة الجميع والانتقال إلى الأرياف والمناطق النائية.
وأضاف رئيس فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب بدمشق إن الهدف الأساسي من مكاشفات هو البعد عن المجاملات ومحاولة إيجاد حل للمشكلات التي نعاني منها في مختلف المجالات.
كما أوضحت سمر تغلبي مديرة الملتقى أن الثقافة ليست مجرد فعل كتابة أو فعل حوار، إنما هي فعل حياتي ينبثق عنها، ولأن النخب الثقافية لاتتوقف مسؤوليتها عند ولادة الحرف، وإنما تتجاوزه لتكون ممسكة بزمام التغيير المجتمعي، من خلال الارتقاء بالوعي الجمعي للوصول إلى ثقافة تنويرية حقيقية تسمو بالفرد وتنطلق بالمجتمع نحو بناء فكري ثقافي يكون قادرا على احتواء كل التطورات القادمة على الصعد كافة.
وبسبب ذلك تقول تغلبي: كان لابد من مكاشفات تتجاوز جدران المؤسسات الثقافية لتؤثر على مجتمع أنهكته الحرب كما أنهكه الجهل الذي يسري متزايدا في أوصاله.
أما الفئة المستهدفة تبين التغلبي فهي جمهور المثقفين على اختلاف أعمارهم بوصفهم صانعي التغيير المفترضين، وبشكل خاص للشباب الذي قدر له أن يحمل أمانة الغد، والتي لن يصونها دون فكر منفتح ودرجة عالية من الوعي.
الأهداف العامة
ومن أهم أهداف ملتقى»مكاشفات» إقامة ندوات فكرية ثقافية لمناقشة قضايا تعنى بالحالة الثقافية عموما بغية الحفاظ على التماسك الثقافي السوري، وفتح حوارات حول قضايا اجتماعية عامة لتقييم المعايير الاجتماعية السائدة، وصولا إلى امتلاك الوعي والجرأة اللازمين لتغيير المغلوط منها، هذا إلى جانب إقامة الأنشطة الأدبية الهادفة إلى تطوير العمل الإبداعي والارتقاء به من خلال النقد البناء، وتقديم دراسات أدبية للوصول إلى رؤية تستطيع من خلالها تحديد السمات العامة لأدب المرحلة وفقا للمقارنة الزمانية والمكانية، والارتقاء باللغة العربية من خلال طرح قضايا تتعلق بسبل تمكينها.
وقد عرضت بدورها خطة العام 2020 التي تضمنت عناوين مهمة منها «دور المسابقات الشعرية في تطوير التجارب الشعرية العربية، المؤسسات الثقافية مالها وماعليها، طرح مشكلات الدراما السورية، حوارات مفتوحة مع شخصيات اعتبارية ومختصين، مشكلة تردي اللغة العربية..».
وسيتم نشر تقرير عن كل نشاط إن لم يتيسر نشره بالكامل من خلال قناة خاصة بالفعالية على اليوتيوب لضمان وصول صوت مكاشفات إلى الشرائح المستهدفة خارج إطار الزمان والمكان.
اقتراحات
لاشك هذه المبادرة الجديدة فتحت شهية الحضور لتقديم اقتراحاتهم لتطوير العمل ولتشكل هذه الأفكار قيمة مضافة، فقد تحدث قحطان بيرقدار عن أهمية البدء بالطفل والتركيز عليه ثقافيا وأدبيا وعلميا والنهوض بواقعه لبناء مجتمع أفضل.
ومن جهته أوضح د.ابراهيم سعيد أن مكاشفات ليس برنامجا، بل هو ملتقى لتقديم الاقتراحات وهو مشروع ثقافي وطني يناقش قضايا سياسية واجتماعية وعلمية وأدبية، وكلما ضاق الموضوع نستطيع البحث فيه أكثر من مثل موضوع الأزمة، فهو يحتاج إلى جلسات عديدة لدراستها وإعادة بناء المواطن من جديد.
ويبين غسان كلاس أن هناك الكثير من الانفتاح والتبني لمقولات وقضايا ومساءلة المعنيين في هذا المضمار للتحول من النظرية إلى التطبيق، ومكاشفات تسلط الضوء على كل شيء وكل مايتعلق بالإنسان في مرحلة حساسة وعصيبة وضرورية وهذا يحتاج إلى خطط ومقترحات وجلسات مطولة لدراستها ونتمنى أن تكون مكاشفات حقيقية وصادقة.
وأوضح كمال سحيم أن مكاشفات هي حاجة سياسية ثقافية واجتماعية ومعرفية ووطنية، والوطن هو المشعل الذي يضيء هذه القضايا، ويجب تكثيف وتجزيء الأفكار لتأخذ حقها من الدراسة والبحث.
وترى نجوى هدبة أن مكاشفات يجب أن تتضمن دراسة الواقع المعيشي وتفسح المجال للمواضيع العلمية للدراسة من مثل الأمراض المنتشرة والأوبئة لتلافيها والقضاء عليها.
وبين د. ابراهيم زعرور أن فكرة المكاشفات فيها شجاعة، أن نبحث عن قضايا نعيشها جميعا بحال من القلق، والهم الأساس هو الهم الوطني، ونحن بحاجة إلى ثقافة وطنية، ودولة مدنية، وقانون أحوال شخصية يعطي المرأة دورها الحقيقي، وحتى نعمق الانتماء الوطني يجب أن نكون موضوعيين وأن توجد قواعد تنظم حياتنا وأن نبدأ من الطفل والشاب.
وطالب محمد أبو معتوق أن تكون المكاشفات ممنهجة ويكون صاحب الحوار مختصاً وصاحب فكر حقيقي لتكون هذه المكاشفات في جزء منها تطبيقياً ومؤسساتياً.
ومن الشباب بين جود من دمشق أن الحاجة كبيرة لتبسيط الثقافة لتصل إلى سواد الشعب وتحقيق المراد منها والنهوض بالوطن في المجالات كافة.
وأجمع الحضور أن مكاشفات هي مبادرة جيدة، والتمكين الثقافي يحتاج للوعي وللأدوات ولاستراتيجيات، والخطاب الثقافي يحتاج إلى تحديث وتطوير ليتلاءم مع معطيات العصر والانفتاح الفضائي اللامحدود.
التاريخ: الخميس 13-2-2020
الرقم: 17192