أغنية قديمة تتداعى لمسامعي دون أي مناسبة في هذه الأيام الباردة.. والأغنية مرتبطة عندي بمرحلة الطفولة وبالشتاء القارس.. (تلج تلج عم تشتي الدنيا تلج)… كنت أسمعها فأتأثر جداً بها.. وأنا أتخيل سقوط الثلج وفرح الأطفال ولعبهم أمام البيوت في الحارات.. لكن ما يحدث في أيامنا (الباردة) اقتصادياً يجعلني أتأثر بها على نحو (سلبي) وربما غيري أيضاً بات لديه الشعور نفسه.
يستخدم المواطن اليوم في الشتاء الذي (تخاصم) مع وفرة المحروقات السائلة والغازية كل الوسائل البدائية والتكنولوجية في التدفئة.. من الخشب إلى الفحم إلى (الدفايات) و(الصوبيات) والمكيفات حتى أصبح هذا الشهر من أكثر شهور السنة صبّارة قر وصرت أحسب له ألف حساب عن باقي شهور الشتاء.. وأسميه شهر (التجمد) تعبيراً عن الحالة النفسية والاقتصادية التي أنا وأنتم فيها طوال شهور السنة.
الآن تمرست وأصبحت خبيراً في التدفئة (المركزية) بشكل يجعلني أعيش في القطب المتجمد بكل تكيّف.. فالملابس التي أرتديها سميكة ومطرية وثلجية بامتياز و(رخيصة) بالمقارنة مع وقود التدفئة البدائية والحضارية التي تعاني من مرض الندرة.
في البيت وفي الخارج أؤمن نفسي.. من خلال ملابسي السميكة وأقطع الطريق لعملي متسلحاً بها.. أو حين أجلس في بيتي يكون الغطاء داعماً لملابسي (القطبية).. وأقول ما أروع هذا الدفء الذاتي.
إن استمتاعي بالحرارة الناتجة عن تسميك الملابس وتلذذي بها يجعلني أنسى البرد وزحمة طوابير الغاز ومحنة انتظار تعبئة (بيدون مازوت) من هنا وهناك مادياً ومعنوياً.. هذا إذا كنت وحدك.. أنا (عم أحكي) عن شخص عزابي مثلي ليس في نيته لا حب ولا زواج ولا (غرام) في (دماغه) المشغول.. لكني طبعاً لا أتحدث عن رب أسرة من ذوي الدخل المحدود وصاحب (عيال) مغروم في تأمين الدفء لبيته البارد وهو ينتظر الرسائل (الذكية)…..!!
منهل ابراهيم
التاريخ: الخميس 13-2-2020
الرقم: 17192