الملحق الثقافي:إعداد: رشا سلوم:
كوكب الشرق، وأسطورة الغناء العربي، وغير ذلك من الألقاب التي لا يمكن لأحد أن ينكرها، فهي جديرة بأن تكون لأم كلثوم الفنانة والمبدعة العربية التي كانت وستبقى قفزة مختلفة في تاريخ الفن العربي، مرت منذ أيام ذكرى وفاتها، ومن الجميل أن نقف عند محطات ليست معروفة تماماً في حياتها، ومنها الحكم الذي أصدره الكيان الصهيوني بحقها وبحق مطربتين عربيتين، سورية وعراقية .
اسمها فاطمة بنت الشيخ المؤذن إبراهيم السيد البلتاجي، وتعرف أيضاً بعدة ألقاب أبرزها أم كلثوم ومنها: ثومة، الجامعة العربية، الست، سيدة الغناء العربي، شمس الأصيل، صاحبة العصمة، كوكب الشرق، قيثارة الشرق، فنانة الشعب. هي مغنية وممثلة مصرية، ولدت في محافظة الدقهلية بالخديوية المصرية في 1898م، أو رسميًا حسب السجلات المدنية في 4 أيار 1908م، وتوفيت في القاهرة بعد معاناة مع المرض في 3 شباط 1975م. وتعد أم كلثوم من أبرز مغني القرن العشرين الميلادي، وبدأت مشوارها الفني في سن الطفولة، اشتهرت في مصر وفي عموم الوطن العربي.
بدايات
ولدت فاطمة لأسرة متواضعة في قرية ريفية تسمى طماي الزهايرة، في مركز السنبلاوين محافظة الدقهلية، الخديوية المصرية، كان والدها الشيخ إبراهيم إمام ومؤذن لمسجد في القرية، ووالدتها فاطمة المليجي تعمل كربة منزل. تضاربت مصادر تاريخ ميلادها الدقيق. عاشت العائلة في مسكن صغير مُشيد من طوب طيني. وكانت حالة الدخل المادي للأسرة منخفضة، حيث إن المصدر الرئيس للدخل هو أبيها الذي يعمل كمُنشد في حفلات الزواج للقرية.
وبالرغم من الحالة المادية الصعبة للأسرة، إلا أن والديها قاما بإلحاقها بكتاب القرية لتتعلم، وتعلمت الغناء من والدها في سن صغيرة، فبرزت موهبتها المميزة، وعلمها أيضاً تلاوة القرآن، وذكرت أنها قد حفظته عن ظهر قلب. وذات مرة سمعت أباها يُعلم أخيها خالد الغناء، حيث كان يصطحبه ليغني معه في الاحتفالات، فعندما سمع ما تعلمته انبهر من قوة نبرتها، فطلب منها أن تنضم معه لدروس الغناء، وبدأت الغناء بسن الثانية عشرة وذلك بعدما كان يصطحبها والدها إلى الحفلات لتغني معه. وكانت تغني وهي تلبس العقال وملابس الأولاد. وبعدما سمعها القاضي علي بك أبو حسين قال لوالدها: لديك كنز لا تعرف قدره.. يكمن في حنجرة ابنتك، وأوصاه بالاعتناء بها.
طريق الفن
بدأ صيت أم كلثوم يذيع منذ صغرها، حين كان عملها مجرد مصدر دخل إضافي للأسرة، لكنها تجاوزت أحلام الأب حين تحولت إلى المصدر الرئيس لدخل الأسرة، أدرك الأب ذلك عندما أصبح الشيخ خالد ابنه المنشد وعندما أصبح الأب ذاته في بطانة ابنته الصغيرة. وفي ذات مرة تصادف أن كان أبو العلا معها في القطار وسمعها تردد ألحانه دون أن تعرف أنه معها في القطار، وذلك بعد عام 1916م حيث تعرف والدها على الشيخين زكريا أحمد وأبو العلا محمد الذين أتيا إلى السنبلاوين لإحياء ليالي رمضان. وبكثير من الإلحاح أقنعا الأب بالانتقال إلى القاهرة ومعه أم كلثوم وذلك في عام 1922م. كانت تلك الخطوة الأولى في مشوارها الفني. حينها أحيت ليلة الإسراء والمعراج بقصر عز الدين يكن باشا وأعطتها سيدة القصر خاتماً ذهبياً وتلقت أم كلثوم 3 جنيهات أجراً لها.
عادت إلى القاهرة لكي تستقر نهائياً في عام 1921م. وكانت تغني في مسرح البوسفور في ميدان رمسيس بدون فرقة موسيقية. وغنت على مسرح حديقة الأزيكية، واشتهرت بقصيدة «وحقك أنت المنى والطلب»، وتعد هذه أول أسطوانة لها صدرت في منتصف العشرينيات وبيع منها ثمانية عشر ألف أسطوانة. وتعلمت أم كلثوم لاحقاً من أمين المهدي أصول الموسيقى، وكذلك تعلمت عزف العود على يدي أمين المهدي ومحمود رحمي ومحمد القصبحي.
في عام 1923م غنت في حفلات كبار القوم، كما غنت في حفل حضرته كبار مطربات عصرها وعلى رأسهم منيرة المهدية شخصياً والتي كانت تلقب بسلطانة الطرب، والتقت في نفس العام بالموسيقار محمد عبد الوهاب لأول مرة في حفلة أقيمت في منزل والد أبي بكر خيرت.
في عام 1924م تعرفت إلى أحمد رامي عن طريق أبو العلا، في إحدى الحفلات التي أدت أم كلثوم فيها أغنية «الصب تفضحه عيونه»، كان أحمد رامي حاضراً بعد أن عاد من أوروبا، فأدرك أنه قد وجد هدفه. غير أن البداية الحقيقية كانت عندما سمعها محمد القصبجي الملحن المجدد وقتها. في نفس العام 1924م، تعرفت أم كلثوم إلى طبيب أسنان يهوى الموسيقى هو أحمد صبري النجريدي أول ملحن يلحن لأم كلثوم ألحاناً خاصة بها، إلا أن ألحانه اعتمدت على الزخارف الموسيقية بشكل مبالغ به، ما دفع أم كلثوم إلى إنهاء التعاون معه مبكراً.
الحكم بالإعدام
وفي ذكرى هذه المناسبة روى المؤرخ الفني المصري والكاتب بجريدة الأهرام أحمد السماحي، حكاية حدثت في نهاية الأربعينات من القرن الماضي عن السيدة أم كلثوم.
وكانت هذه الحكاية عندما أصدرت إسرائيل حكماً بالإعدام على ثلاث مطربات شهيرات من مصر، والعراق، وسوريا، وهن بالترتيب: أم كلثوم، وسليمة باشا مراد، وسهام رفقي، وذلك بتهمة تحريض الشعوب العربية على محاربة «الصهيونية».
وبحسب ما ذكره السماحي على صفحته الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، فقد نشرت العديد من الصحف الصادرة في ذلك الوقت هذا الخبر الذي يؤكد محبة وعشق هؤلاء المطربات الثلاث لبلادهن واعتزازهن بجنسياتهن العربية.
وذكرت جريدة «البلاغ» في عددها الصادر يوم 6 يوليو/ تموز 1949، نص هذا الخبر الذى يقول عنوانه «الحكم بالإعدام على أم كلثوم». وقال الخبر إنه «منذ ثلاثة أسابيع ومحطة إذاعة إسرائيل تذيع كل يوم نص الحكم الذي أصدرته السلطات الصهيونية ضد أم كلثوم والسيدة سليمة باشا مراد، والسيدة سهام رفقي، وهذا الحكم يقضي بإعدام المطربات العربيات الثلاثة بتهمة إثارة الجماهير الشعبية في البلاد العربية ضد الصهيونية».
وتابعت الصحيفة إن «الاتهام الذي وجهته السلطات الصهيونية ضد الآنسة أم كلثوم أنها تغني أغنية «فلسطين»، وتثير الشعب المصري ضد الصهيونية، وتستنفره للجهاد وتردد على مسامعه أغنية «ولكن تأخذ الدنيا غلابا» ــ يقصد «سلوا قلبي».
وأضاف الخبر: «يتهم الصهيونيون المطربة العراقية سليمة باشا مراد بأنها من ألد أعداء الصهيونية في بغداد، وأنها تحرض الشعب العراقي ضد الصهيونيين المسالمين».
ويشير السماحي إلى أن المسلسل العراقي «سليمة باشا» الذي عرض عام 2012 وقامت ببطولته آلاء حسين وسنان العزاوي، وكاظم القريشي، وسناء عبد الرحمن، وعلى عبد الحميد، وألفه فلاح شاكر، وأخرجه الفنان باسم قهار، أكد هذه المعلومة، وأنها رفضت مغادرة العراق إلى إسرائيل رغم الإغراءات المادية التي عرضت عليها.
أما التهمة الموجهة لسهام رفقي بحسب «البلاغ» فهي أنها «تقوم بالترفيه عن جنود العرب في الجبهة الشمالية وتغني لهم: «مرحى مرحى بالملايين قتلى وجرحى لفلسطين».
التاريخ: الثلاثاء25-2-2020
رقم العدد : 988