الملحق الثقافي:سلام الفاضل:
كتاب (الأمالي) هو واحد من أهم كتب الثقافة الأدبية العامة، وهو معروف بين أيدي الناس، كثير الفوائد؛ وضعه أبو علي إسماعيل بن القاسم بن عيذون بن هارون بن عيسى بن محمد بن سلمان، المعروف بالقالي البغدادي.
كان القالي أحفظ أهل زمانه للغة، وأبصرهم بعلل النحو، أقام في بغداد نحو ربع قرن، ثم استدعاه الخليفة الأندلسي عبد الرحمن الناصر، فرحل إلى قرطبة، ومكث فيها حتى توفي، سنة 356 هـ .
أضحى القالي في قرطبة موضع تكريم الدولة هناك، وموضع إجلال علمائها، وعامة الناس فيها، فكان حقاً مثلاً للثقافة المشرقية، التي ظل الأندلسيون يتطلعون إليها، ويتابعون كل جديد فيها. وحين استقر به المقام في قرطبة، تصدر القالي للإقراء والتدريس، وشرع يلقي أماليه في جامع الزهراء أيام الخميس من كل أسبوع.
والأمالي جمع (إملاء) أو (ملية)، ويُقصد بها ما يميله الشيخ على طلابه من فقه وتفسير وحديث، ونحو ولغة وأدب.
وقد تعددت موضوعات (أمالي) القالي حتى شملت الكثير من غريب القرآن، والكثير من الأحاديث النبوية مع شرحها، إضافة إلى كلام الحكماء، وأحاديث البلغاء، والوصايا بأنواعها، إلى جانب اهتمام المؤلف بالأمثال العربية، والنصوص الشعرية، وأراجيز العرب، والأخبار الأدبية. وكل ذلك وضعه القالي عبر اتباعه منهجاً كرّس فيه صفة العمق والإفاضة والوفرة العلمية، مع دقته المتناهية في الإسناد والرواية، فعُدّ هذا الكتاب بحق سفارة ثقافية فريدة ونفيسة.
وقد صدر مؤخراً عن الهيئة العامة السورية للكتاب، وضمن سلسلة “ثمرات العقول”، كتاب حوى بعض أبرز الموضوعات التي اشتلمت عليها “أمالي” القالي، وحمل عنوان (المختار من أمالي أبي علي القالي)، تأليف الدكتور ثائر زين الدين.
كتاب “المختار”
ضمّن مؤلف كتاب (المختار من أمالي أبي علي القالي) د. ثائر زين الدين كتابه هذا جملة من المختارات التي انتقاها من كتاب (الأمالي) للقالي، والتي رأى – حسب وجهة نظره – أنها مختارات تقدم جوهر الكتاب، وأجمل ما فيه، ليضعها بين يديّ القارئ الكريم، وقد قال فيها كما جاء في المقدمة: “أما فيما يتعلق بهذه المختارات التي أضعها بين يديّ القارئ الكريم من هذا الكتاب الذي قرأته فتىً، فأثّر فيّ، وكانت محتوياته واحدة مما دفعني إلى نظم الشعر مبكراً، فلا أقول فيها إلا القليل:
– هي أولاً مختارات تنتظمها ذائقة مُختارِها فحسب، فقد يرى غيري أن بين دفتي “الأمالي” ما هو أجدر منها أو من بعضها، وهي بيقين لا تغني عن قراءة العمل كاملاً لمن استطاع ذلك.
– والأمر الثاني أنني اتبعت مذهب المؤلف نفسه في التعامل مع هذه المختارات؛ فما لجأت إلى تصنيفها أو تبويبها في أبواب وفصول، وما أبعدت الشعر عن النثر، وتركتها وفق تسلسل ورودها في الكتاب نفسه، لذلك فقد يقع القارئ على مختارات شعرية مثلاً تتلوها أخرى في مسألة لغوية، وتسبقها حكاية طريفة من تراث العرب، وما إلى ذلك، ولقد وجدت هذا الأمر أكثر تشويقاً للقارئ، ويدفع عنه الملل”.
موضوعات (المختار)
حرص مؤلف كتاب (المختار من أمالي أبي علي القالي) د. ثائر زين الدين على تنويع مختاراته لتشمل موضوعات عدة؛ فمن أقصوصة أدبية، إلى طُرفة مستقاة من تراث العرب، إلى الكلام والتفصيل في مسائل لغوية، وأمور حياتية، إلى التطرق لبعض أخبار العرب، وما كان من كلام بلغائهم، وأحاديث حكمائهم، دون إغفال النصوص الشعرية والنثرية التي حفلت بها صفحات هذا الكتاب.
فها نحن نقرأ في أحد المواضع الذي حمل عنوان (كُثير عزة يدخل على عبد الملك بن مروان) نقرأ هذا الشاعر المُجيد وهو ينشد أمير المؤمنين بعد أن ازدراه، قائلاً:
ترى الرجل النحيف فتزدريه
وفي أثوابه أسدٌ هصور
ويعجبك الطرير إذ تراه
فيُخلف ظنك الرجل الطرير
كما أننا نقرأ في موضع ثان حمل عنوان (أنا حديد حسود) ما كان من كلام عبد الملك الحجاج حينما سئل عن عيبه فقال: “أنا حديد حسود حقود لجوج ذو قسوة”. وما كان من خبر خالد بن صفوان حينما بلغه كلام الحجاج فقال: “ولقد تأنق في ذم نفسه، وتجوّد في الدلالة على لؤم طبعه، وفي إقامة البرهان على إفراط كفره، والخروج من كنف ربه…”.
ونقرأ في موضع ثالث ما كان من وصف الشعراء (في جمال حديثهن)، ومنهم بشار بن برد، الذي أنشد قائلاً:
وكأن رصف حديثها
قطع الرياض كُسين زهرا
وكأن تحت لسانها
هاروت ينفث فيه سحرا
وكأنها برد الشراب
صفا ووافق منك فطرا
وهكذا تتابع مختارات هذا الكتاب سرداً وإنشاداً وحديثاً لتترنم بها أذن سامعها، وتورق أكف من حملها، وينتظم عقد كل من قرأ ثناياها.
يقع هذا الكتاب في ١٢٨ صفحة من القطع المتوسط.
التاريخ: الثلاثاء25-2-2020
رقم العدد : 988