يبدو أن الرهان الأخير لرئيس النظام التركي في الحرب على سورية كان رهاناً خاسراً، ففي إدلب وهي آخر محافظة يسيطر عليها الإرهابيون، تراجعت تركيا واستجدت الهدنة ولم تستطع إيقاف تقدم الجيش السوري بالرغم من دعمها الكامل لوكلائها والمشاركة المباشرة لجيشها في المعارك ضد الجيش السوري.
وفي الداخل التركي أثارت مغامرة أنقرة في سورية رفضاً متزايداً من جميع أحزاب المعارضة ضد الأوتوقراطية المتمثلة بأردوغان وحزبه، وبدأت الأزمة في 25 شباط، عندما هاجم الإرهابيون المدعومون من القوات التركية الجيش السوري في بلدة سراقب الاستراتيجية والطرق السريعة (دمشق حلب – وحلب اللاذقية)، وفي اليوم نفسه، أطلقت أنظمة الدفاع الجوي المحمولة (MANPADS) وهي أسلحة مضادة للطائرات النار على الطائرات الحربية الروسية في جنوب إدلب من مواقع عسكرية تركية، كما تعرضت القاعدة الجوية الروسية في حميميم للهجوم من قبل منظومات الدفاع الجوي المحمولة ومن طائرات تركية بلا طيار، ما حدث بعد ذلك أن الطائرات الحربية السورية والمدفعية هاجمت رتلاً من القوات التركية كانت في طريقها لإيصال الإمدادات إلى مواقع المراقبة الأمامية للأتراك في إدلب، ما أسفر عن مقتل 34 جندياً وإصابة أكثر من 70.
في البداية، قام أردوغان بالتهديد بشن هجوم على إدلب ولكنه التزم الصمت بعد ذلك عندما صرح الأدميرال أوليج جورافليف أن روسيا (لا يمكنها ضمان سلامة الطلعات الجوية للطائرات التركية فوق سورية)، لذلك انسحب الأتراك ودخل الجيش السوري والقوات الروسية مدينة سراقب.
بالنسبة لأردوغان فإن الجبهة الداخلية تزداد توتراً، حتى قبل التورط التركي في إدلب، حيث كان حزب الشعب الجمهوري يطالب أردوغان بإطلاع البرلمان على الوضع في هذه المدينة، لكن حزب العدالة والتنمية التابع لأردوغان رفض الطلب، كما قدم حزب الخير القومي اليميني – وهو حليف حزب الشعب الجمهوري – مطالب مماثلة تم تهميشها أيضاً، وكانت كل أحزاب المعارضة التركية قد طالبت بإجراء مفاوضات مباشرة مع الحكومة السورية.
إذاً تركيا تجازف بالانجراف إلى حرب مع سورية دون أي مشاركة أو موافقة من البرلمان التركي، وفي 12 شباط التقى أردوغان بنواب حزب العدالة والتنمية وأخبرهم أنه إذا تكبد الجيش التركي مزيداً من الخسائر – في ذلك الوقت كان عدد القتلى 14 قتيلاً و 45 جريحاً – فإن تركيا (ستضرب في أي مكان) في سورية، الأمر الذي اعتبرته المعارضة تهديداً بإعلان الحرب، وقال (إنجين ألتاي) نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري: (يجب على الرئيس أن يطلع البرلمان على ما يحدث، إدلب ليست مسألة داخلية لحزب العدالة والتنمية)، كما طعن ألتاي بتعهد أردوغان بفصل تركيا عن (المتمردين المتطرفين)، مثل (جبهة النصرة) التابعة لتنظيم القاعدة متسائلاً: (هل هذا ممكن؟ ليس هناك مجال أبداً لتمييز هذه الجماعات الإرهابية عن بعضها البعض).
ويقول أحمد كامل إيروزان من (حزب الخير التركي): (قالت تركيا إنها ستفصل الجماعات المعتدلة عن الراديكاليين، لكنها لم تستطع فعل ذلك)، ويؤكد النائب عن حزب الشعب الديمقراطي التقدمي الذي يتخذ من كردستان مقراً له نجدت إيبيكيوز أن (إدلب أصبحت وكراً لجميع الجماعات الإرهابية بمختلف مسمياتها، وهذا بحد ذاته يسبب مشكلة لتركيا والعالم أجمع).
وقد قام أردوغان بسجن العديد من أعضاء البرلمان من حزب الشعب الديمقراطي وعين عوضاً عنهم أعضاء من حزبه، (حزب العدالة والتنمية)، كما سجن عشرات الآلاف من الأشخاص، وأقال الآلاف من وظائفهم، وتم إسكات وسائل الإعلام بشكل كبير من خلال القمع حيث قام النظام التركي بسجن عدد كبير من الصحفيين، ويبدو الآن أن تركيا أصبحت معزولة بشكل كبير، حيث دعا أردوغان إلى جلسة طارئة لحلف شمال الأطلسي في 28 شباط ، لكنه لم يحصل على أكثر من الدعم المعنوي)، إذ يبدو أن (الناتو) لا يريد أن يتدخل بما يجري في سورية وبالتأكيد لا يريد مواجهة مع روسيا، خاصة أن العديد من أعضاء الحلف ليسوا مرتاحين لتدخل تركيا في سورية، وعلى أي حال تركيا ليست تحت الهجوم، ولكن جنودها فقط، الذين يحتلون أجزاء من سورية في انتهاك للقانون الدولي هم عرضة للخطر، وبالنسبة للولايات المتحدة الأميركية فقد استبعدت إنشاء منطقة حظر طيران فوق إدلب.
إن وكلاء تركيا في الحرب على الأرض السورية ليسوا قادرين على فعل أي شي من دون دعم الجيش التركي، ولكن بدون غطاء جوي فإن الجيش التركي مقيد تماماً ولا يمكنه تقديم الدعم المطلوب لهم للقيام بأعمالهم الإرهابية، كما أن روسيا بدأت تفقد صبرها، فهي ترغب بإنهاء الحرب على سورية ليتسنى لها إعادة بعض من قواتها العسكرية إلى البلاد، ولكن أردوغان وبخرقه لجميع الاتفاقيات يجعل هذا الأمر صعباً، وقد تكتشف تركيا قريباً أنها خاسرة، حيث إنها ترتبط مع روسيا ارتباطاً وثيقاً بقطاع الطاقة، ومع فرض العقوبات على النفط والغاز الإيرانيين، فإن أنقرة تعتمد أكثر فأكثر على مصادر الطاقة الروسية.
قامت روسيا للتو ببناء خط أنابيب الغاز الجديد (TurkStream) عبر البحر الأسود وتقوم ببناء محطة للطاقة النووية لتركيا، إذا لا يمكن لأردوغان أن يذهب أبعد من ذلك ويخسر علاقته مع روسيا، ويبدو أن تورط أردوغان في سورية والضغوط التي يواجهها في الداخل التركي قد جعلت خياراته محدودة جداً، وقد يحاول تصعيد التدخل التركي في سورية، لكن المخاطر ستكون عالية، وقد فتح الحدود لتدفق اللاجئين إلى أوروبا، وقد يتحرك للدعوة إلى انتخابات مبكرة قبل أن يتناقص دعمه المحلي أكثر، لكنه قد يخسر تلك الانتخابات، ولا سيما أن حزب العدالة والتنمية انقسم إلى حزبين، وقد أظهر استطلاع حديث للرأي أن 50٪ من الأتراك يقولون إنهم لن يصوتوا لأردوغان، أو يمكن لأردوغان أن يعود إلى سياسة تركيا منذ حوالي عقد من الزمان (صفر مشاكل مع الجيران).
strategic cultre foundation
بقلم: كون م هالينان
ترجمة: ميساء وسوف
التاريخ: الخميس 19 – 3 – 2020
رقم العدد : 17220