ثورة أونن لاين:
في حوار مع براد بيت حول فيلم “كان يا ما كان في هوليوود”، سئل عن المشهد الذي يعود فيه إلى بيته ويحضّر الطعام له ولكلبه، إذ وجد كثيرٌ من المتابعين أنه مشهدٌ طويل نسبياً، لا حدث مهماً ضمنه، ليجيب بيت: “هذا هو تارنتينو الذي يبني لنا زمناً درامياً للفيلم يدور في يومين ونصف، وعليهم أن يكونوا محاكاة لكل التفاصيل الرتيبة -قبل المهمة- ليومين ونصف”.. باختصار.. يمكن لنا أن نفهم من تلك الإجابة أن سينما كوانتين تارنتينو تلعب صوب تقديم محاكاة للواقع، لا الواقع كما هو، بل محاكاته وربما ترتيبه كما يرى، ألا يتسرّب للمتلقي شيءٌ من الملل..؟ وهل خطر له أن الفيلم لربما، ليس بمستوى الترشيحات التي نالها..؟؟ مع العلم أنه حصل على ثلاث جوائز أوسكار 2020، منها جائزة أفضل ممثل مساعد كانت من نصيب براد بيت. حكاية العمل تبدو عادية تسرد تفاصيل حياة نجم هوليوودي (ريك دولتون، ليوناردو دي كابريو) بدأ مشواره الفني مرحلة الركود، مع وجود دوبليره (كليف، براد بيت).. وبينما تنقل لنا الأحداث لحظات انكسار وضعف “ريك”، يظهر ” كليف” متماسكاً وقادراً على التعامل مع ظرفه أكثر من ربّ عمله “ريك”.. لوهلة.. يمكن لنا أن نشعر وكما لو أن ثمة غاية غير مقصودة بإظهار تلك الثنائية على هذا النحو.. فالدوبلير هو البطل الواقعي كما بدأ في كثير من المشاهد.. هل تقصّد تارنتينو إظهار هذا النوع من التناقض ” المبطّن” بين الاثنين، لا التكامل، كما يُفترض لسير العلاقة أن يكون..؟ بالمجمل يمكن لإيقاع الرتابة والملل أن ينكسر حين يطّلع أي مُشاهد على مجريات أحداث حصلت لشخصيات واقعية ظهرت في العمل مثلما حدث مع الممثل “شارون تايت” التي أدّت دورها “مارغوت روبي”..
ما تقصّد تارنتينو فعله هو القيام بعدم قتلها على يد عصابة الهيبيز التي اقتحمت منزل ريك ديلتون.. منح لها الحياة.. وأعاد ترتيب الواقع كما أراد له أن يكون.. أو كما يقتنع هو بصوابيته وما يُفترض به أن يكون.. وهو ما يمكن لنا تذكّره في بعض أفلامه كما في فيلم “أوغاد مجهولون”، حين جعل حياة هتلر تنتهي على يد فتاة يهودية.. فهل يحاكي الواقع.. يتلاعب به.. أو يعمل على تصحيحه ولو بمجرد إعادة ترتيبه بخيالات السينما..؟! حين ندرك أن ثمة خط حقيقي واقعي حاول الفيلم تجسيده لشخصيات كانت يوماً موجودة، يتراجع مستوى الأحداث الباهتة بما فيها من ظاهر ملل، لصالح محاولة إعادة ترتيب جزئيات حكاية تارنتينو.. وفق تلويحته بخلق إيهامٍ على مقاس رغبة الحكي/المحاكاة لديه. فمن جهة يصنع فيلماً ليبدو تحية لنوعية سينما الستينات.. ومن جهة أخرى تواكب حكايته حالة خفوت نجومية ممثل ويسترن، في لحظات ضعفه كأنما أراد إظهار التقدير والشكر لهذه النوعية التي يبدو أنه تأثّر بها في مرحلة ما من حياته. لاقى أداء الثنائي (بيت، دي كابريو) الكثير من الاستحسان.. كان مجرد وجودهما معاً إلى جانب تارنتينو كفيلاً بتحقيق جماهيرية واسعة للفيلم حتى قبل حضوره. في (كان يا ما كان في هوليوود)، تترجم أيضاً (حدث ذات يوم في هوليوود)، لا يبدو سير تصاعد الحكاية وفق تراتبية زمنية تقليدية.. فالجزء الأخير من العمل يقلب موازين الحكاية.. وتُنسف الرتابة التي لازمت بعض مشاهده عبر تقديم كم عنف في جريمة قتل تبدو تفاصيلها أقرب للعبثية.. هكذا نرى كيف قام كليف بقتل عصابة الهيبيز، بدلاً من قيامهم بقتل شارون تايت.. وهذه ذروة المفاجأة التي تحفّظ عليها العمل طوال أحداثه.
لميس علي