ثورة أون لاين – غصون سليمان:
في حضرة الوعي تتقدم سلة القيم أولويات العمل، تبحث عن معطياتها ومخارجها ، تجود بمحاسنها وتظهر صورتها ، حيث تقطف ثمارها الحقيقية من واحة التربية من خلال بعدها المنتمي للوطن.. فما هي العلاقة بين مفهومي الانتماء والمواطنة وحب الوطن وما دور التربية والإعلام وكيف لنا ان نعزز في نهجنا ورسالتنا وتعاملنا أفراد ومؤسسات وجماعات ، حالة الشعور الإيجابي المنتمي للوطن الساكن في الأوردة والشرايين المانح لهويتنا ووجودنا؟.
في الندوة الحوارية التي أقامتها الجمعية التاريخية العملية في ثقافي كفرسوسة مؤخرا بحضور نخبة من المفكرين والباحثين والأكاديميين وأساتذة الجامعة وبعض أعضاء مجلس الشعب، طرحت العديد من القضايا الجوهرية بأبعدها السياسية والعلمية والثقافية والاجتماعية والفكرية، وما طرأ عليها من تغيرات في السلوك والمفهوم العام والخاص خلال سنوات الحرب العدوانية على بلدنا .
وحول مفهوم الانتماء والمواطنة وتعزيز الدور التربوي وكيفية توجيه الأبناء لتعميق هذه المفاهيم، بينت الدكتورة رولا صيداوي رئيس مركز الإرشاد التربوي بجامعة دمشق من عرضها المفصل، بأن المواطنة من وجهة نظر علم النفس التربوي هي مصطلح ينبثق عنه كلمة المواطن الفعال، ولطالما يراود أذهاننا دائما كيف نعزز لدى أبنائنا مفهوم حب الوطن؟ وما هي الأساليب والوسائل التي نستطيع أن نؤسسها في نفوس الجيل الواعد؟ فعندما نربي أبناءنا التربية الصحيحة ونزرع في نفوسهم مفاهيم الوفاء والإخلاص للوطن كما نزرع مفهوم حب الأم والأب واحترام الوالدين، وعندما يكون الأبناء مشاركون بداية مع إخوتهم وأهلهم في البيت، وكذلك مع الجيران والأقارب والأصدقاء، حتى نتوسع إلى مرحلة الجامعة والمؤسسات التربوية، عندها يكون الأفراد مشاركين مع الآخرين على رفع المستوى الحضاري للمجتمع والحب والتفاني من أجل تطويره. مؤكدة أنه يجب علينا تعزيز مفهوم المشاركة والعمل التطوعي داخل وخارج المنزل وتقديم مصلحة الوطن على المصلحة الشخصية.
مصلحة الأسرة
وركزت صيداوي على أهمية تقديم مصلحة الأسرة على المصلحة الشخصية، وكذلك مصلحة الوطن على مصلحة الأنا، فعندما نحث الأبناء على التعاون فيما بينهم ومع أصدقائهم وزملائهم في بيئات المجتمع كافةً وكيفية تطوير مهاراتهم وقدراتهم من خلال المدرسة والنوادي الثقافية والتربوية، نكون قد عززنا في نفوسهم عبارة العمل الجماعي يداً بيد، وكذلك الانتماء الوطني كمفهوم ينطلق من شعور وانجراف ورغبة في عمليات التطوير المادية والمعنوية والقدرة على حل المشكلات ومواجهة الصعوبات، من خلال وضع البرامج التي تساعد في وضع الحلول المناسبة.
وعن ماهية هذا الانتماء وكيف نعززه ومن أين نبدأ ؟ تتساءل صيداوي: هل نبدأ من مرحلة الشباب أم المدرسة أم الطفولة أم الأسرة؟ أم نبدأ من مرحلة الجنين في رحم أمه ؟ لعل الجواب بدهي هنا : إذ إنه يبدأ من لحظة تشكل الجنين في رحم أمه. ولفتت أيضاً إلى أهمية تطوير قدرات ذات الإنسان بنفسه، فإذا كان الشخص غير مقدر نفسه ومحترم ذاته ، كيف له أن يقدر قيمة وطنه ؟ بالتأكيد لن يستطيع أن يقدر القيمة العظيمة لرمزية الوطن. ولكي ينتمي الإنسان لنفسه عليه أن يعزز قدراته ومهاراته وتثقيف نفسه ومن حوله، وأن يكون العمل جماعياً يداً بيد، وألا يبخل أحد في تقديم ما يمتلكه من علوم في تعزيز مفهوم الانتماء منطلقاً من نفسه كما تم ذكره، وحين يصل إلى المراحل العليا من التطور الثقافي الخلاق يصبح شخصاً فعالاً في المجتمع .
وذكرت رئيسة قسم الإرشاد التربوي أن الأسرة والمدرسة هما الوطن والمجتمع الصغير ، ما يجعل مهمة تعزيز مفهوم الانتماء للأسرة والمجتمع متكاملين من ناحية حب المعلم ، المدير الأصدقاء، بحيث تكون التشاركية على أكمل وجه مع المؤسسات التربوية والنوادي الثقافية، لذلك من المفاهيم الخاطئة أن تبدأ مرحلة التأسيس أو التوجه لتعزيز هذه المفاهيم بمرحلة الشباب والتي تكون في مرحلة تنمر، فيبتعدون عن هذا الأمر معتبرين إياه شيئاً ثانوياً، أما حين تكون مهمة غرس القيم في مرحلة الطفولة ، فتكون النتيجة أكثر إيجابية في مرحلة اليفاعة والشباب . كما أوضحت صيداوي جملة من الانتماءات الأخرى مثل الانتماء للعمل الوظيفي سواء بالمؤسسة، النوادي الثقافية ، الأعمال التطوعية ، الاحساس بالمسؤولية لتنمية روح المواطنة، فيما النقطة الأهم والعامل الرئيس برأيها هي التواصل الانساني المنطلق من تعزيز روح المواطنة وحب الوطن، فأنا كإنسانة عادية حين أتواصل مع الغير فإنني أنشر الثقافة التي نشأت عليها (ثقافة الاحترام وتقدير الآخر) بمعنى ألاّ يفرض أي من الطرفين رأيه على أنه صحيح والآخر خطأ ..
أكثر من ثقافة
الدكتور عطا الله الرمحين رئيس الجمعية السورية التاريخية أوضح أن مجتمعاتنا تعيش بأكثر من ثقافة، ما يتطلب تسليط الأضواء عليها بحيث نعلم أبناءنا وأطفالنا العلم والمعرفة، ففي ظل تقنيات المعرفة والتطورات التي نراها ، وفي سياق تطورها، لم يعد هناك تفريق بين الصحيح والخاطئ، الإيجاب والسلب ، النافع والضار ، ما يتطلب وجوب توجيه الأبناء والشباب لأن يتعاملوا مع العلم كمنهج، وايديولوجيا واستراتيجية، سيما وأن هذا العلم الذي نعيشه وبنيت عليه الحضارة الغربية بشكل أو بآخر ، سواء حداثة أو ما بعد الحداثة فهذا العلم قد أنتج ثورة التكنولوجيا، التي بدورها أفرزت أفكارا متنوعة ومختلفة ، وهي عبارة عن لقطات ايديولوجية يمكن لها على مدى التطور اللاحق للتكنولوجيا، تشكيل أيديولوجية العلم، وبالتالي إذا لم نمتشق أفراداً ومجتمعات ناصية هذه الأيديولوجية وجميع القيم التربوية والأخلاقية، فإننا سنبقى بعيدين عن مجاراة الشعوب الأخرى والتطورات المهمة .
وأوضح الدكتور الرمحين أن عصارة العلم الذي أفرز التقنيات المعاصرة لم يعد يقف أمامه أي عائق من العوائق، فهو جار، لإسقاط كل الأيديولوجيات التي سبقت، وكذلك إسقاط مشروعية المعرفة التقليدية، وبالتالي يجب علينا كمجتمع أن نأخذ منحى ونجد لنا مكانا على طاولة الشطرنج الذي يلعب في مجالها مجموعة من اللاعبين المحترفين الذين يفكرون بقفزات ابتكارية تغير طبيعة اللعبة .
وأشار رئيس الجمعية العلمية التاريخية إلى أنه إذا ما بقينا نربي أبناءنا على الطريقة الكلاسيكية التي نعيشها لن نصل إلى مرحلة التقدم الإنساني العقلاني، ونحتاج إلى أشياء عديدة لخدمة المواطن وتطوير عقله، وكلما تطور هذا العقل يصبح المرء وازناً، وكلما أزلنا الجهل والأمية من حياته نكون قد وضعنا نتاجنا على الطريق الصحيح .
وقال الدكتور الرمحين : نحن نرى كيف يعيش العالم وماهية الروابط بين الأفراد وعلاقتها مع بعضها البعض، فهي لم تقم عن عبث، وإنما قامت على فلسفات اخترعتها مجتمعات متطورة، تتعامل معها الآن كما فلسفة “البرالوجيا”وكيف يتعامل الناس على أرضية هذه الفلسفة، والبارالوجيا كما عرفها الرمحين : هي الخطاب الأساسي الذي يتيح لك القيام بأي فعل من الأفعال، التي تقف ضد الكوابح السلبية وتعيق التطور والتقدم، أياً كان شكلها ولونها، خاصة ما طرأ من مفرزات وتداعيات سلبية طارئة خلال سنوات الحرب العدوانية على بلدنا، مشددا على ضرورة تربية أبنائنا وأطفالنا على أسس سليمة وصحيحة، وإنشاء أجيال جديدة قائمة على مفهوم العلم وفلسفة العلم، لأنه هو الأساس والمستقبل، وأن نشبع سلوكهم بالقيم الإنسانية العامة التي أنتجتها وأجمعت عليها البشرية وأقرتها الأمم المتحدة.
إضاءات
وفي هذا المقام نشير إلى بعض الأفكار التي طرحت من خلال التفاعل بين المحاضرين والحاضرين، فمنهم من ذكر على سبيل المثال، الدولة الحديثة كلما طورت قوانينها ، وصقلت مفهوم المواطنة وأهميتها بحياة المجتمع .
– يجب أن يعتز كل مواطن بوطنه وأن يعمل ضمن مفهوم الحقوق والواجبات.
– العمل قدر المستطاع على توطين التكنولوجيا ، وتحديث وتعزيز مراكز الأبحاث.
ذكرت الأستاذة هيام سليمان عضو الجمعية العلمية التاريخية أن التربية في عالم المثاليات وطن آمن ، ولكن في الواقع وزمن الحروب تختلف الصورة ويتغير المشهد ، فخلال سنوات الحرب على بلدنا ، أصبح لدينا فجوة أجيال عمرها 10 سنوات ، وبالتالي هناك شريحة كبيرة مهمة من الناس والأطفال تحتاج إلى إعادة نشر وعي وتعزيز مفهوم الانتماء بأبعاده الوطنية كافة.