الشائعة

ليس مهماً أن نعرف من أطلق الشائعة.. ولا ما هو مصدرها.. لكن هل تأتي الشائعة من فراغ وعفو الخاطر؟
هل الذي يطلق الشائعات هو بالأساس شخص ثرثار خيالي؟ يطلق العنان لأفكار متضاربة منها المحبط ومنها المليء بالتفاؤل ومنها الذي لا يمكن معرفة توقيت ظهوره أو توقيت أسبابه.
بعض الناس يعتقد أن الشائعة نوع من الكذب الأبيض الذي لا يمس شخصاً محدداً، وبعض الناس يلصق تهمة تفشي الشائعات بجهات معينة لها غايات وأهداف تمس نبض الشارع ومعرفة ردود الفعل عند الناس، وهنا تُتّهم جهات رسمية في إطلاق هذه الشائعات المدروسة والتي تتردد في وقت ما، وقيل إن حكومة الرئيس جمال عبد الناصر كانت سباقة في إرسال مكاتيب الشائعات إلى الشارع المصري وبالتالي سبر ردود الفعل على هذه الشائعات التي تمس حياة المواطن في لقمة عيشه أو مستقبله المهني، فكان من الممكن أن تصير الشائعة حقيقة أو تبقى في إطار الثرثرة العابرة وينتهي مفعولها بعد فترة.
ولعلنا اليوم – وفي هذا الزمن المتحول المريض المليء بالتناقضات والأوجاع والدماء – نلمس حجم الشائعات المنتشرة في المجتمع العربي الذي يتبعه مجموعة من التأويلات المتحركة والمتنقلة من بلد إلى بلد.. فهناك الشائعات التي تعمد إلى الدين كي يفسرها والتي تقول بنهاية العالم.. وإن هناك مظاهر ومشاهدات تدل على صدقية الشائعة وأنها موثوقة المصدر.. وهناك شائعات تحاول لصقها بالنظريات العلمية التي تبحث عن مبرر لانتشارها وتبنيها من قبل المثقفين.
والشائعة لا تقف في محطات التفتيش ولا عند تخوم البلدان، فنجد أنها تتحرك سريعاً من مدينة إلى أخرى ومن شعب إلى آخر.
أحياناً يتصدى البعض للشائعات التي لا يقبلها عقل.. وربما كانت هي العقلانية في الزمن اللاعقلاني، ولكن هناك شائعات تعمر طويلاً وتنتقل عبر طبقات الزمن، لأنها تتوافق مع الحقيقة أو لأنها تظهر التناقض القائم بين الحقيقة والوهم.
وفي كل الأحوال.. نجد اليوم وأكثر من أي وقت مضى، انتشار الشائعة التي تترافق أحياناً مع الخرافة.. وربما هذا نتيجة العجز الذي أصاب العقل البشري حول كيفية وطرق وفهم التعامل مع الحروب الفتاكة التي لم تشبه أي حرب في أي عصر من عصور التاريخ، سواء الحرب العسكرية أم الحرب العلمية ومن ثم حرب الكورونا التي يبدو أنها الحرب التي ستنتصر على الجميع وتحجم دور الجميع، وهذا أمر طبيعي.. فقد طغى الإنسان وتجبر وداس على قوانين الأرض والسماء وخرب البيئة، وقتل الروح وصعد إلى الفضاء ليكمل حربه المدمرة.. والدليل ما تقوم به أميركا اليوم على سطح القمر والمعارك العلمية الفضائية الجديدة حول امتلاك القمر والانطلاق منه فضائياً لغزو الأرض لاحقاً وإخضاع الشعوب وثرواتها للبلدان المتقدمة علمياً وعسكرياً، وهنا ليس لنا نحن الشعوب الفقيرة والمتخلفة سوى الدهشة وإطلاق الشائعات التي تحمل في طياتها تمنيات الدمار والموت للقوى العظمى التي تستعبدنا، ومن هذه الشائعات مثلاً “أن أميركا ستزول قريباً” وذلك بناء على ما قاله رجل دين يهودي، وهناك شائعة تقول بأن البقرة الصفراء لليهود ستظهر قريباً، وهي دلالة على خراب إسرائيل، أي لا داعي للحروب ولا لتجهيز الجيوش ولا للبحوث العلمية.. فكل شيء الآن يمشي إلى فنائه، فلننعم بالوقت المتبقي قبل الفناء.. لأن مرض كورونا هو خيط البداية، وهو الطريق المؤدي إلى نهاية أوروبا وأميركا، وما من طغيان وتجبر إلا انتهى إلى صاحبه فقتله.
غير أن شائعة جديدة تقول بأن العرب هم من سيجدون الدواء.. وأن الغرب الطاغي سيعود من جديد إلى عصوره المظلمة ليصعد زمن النور الإسلامي، وبالتالي سنستعيد أمجاد أمية والعباسيين قريباً.
وليت ذلك يكون صحيحاً وليت بعض الشائعات الإيجابية تصدق وتتحقق ثرثرة الثرثارين حول القضايا التي تشغل الكثير من الناس حتى لو أدركوا أنها مجرد ثرثرة أو أنها شائعة، ولكن للشائعة جذور ولها دلالات نفسية واجتماعية واقتصادية وسياسية، فماذا لو أطلقنا الشائعات بأن الكهرباء لن تنقطع بعد الآن.. وأن السادة المديرين يردّون على هواتفهم مباشرة ويحلون مشاكل المواطنين.. وأن المياه متوفرة والغاز يباع على الأرصفة.. والراتب سيتضاعف وينتهي الموظف (من النق) والشكوى؟.

معاً على الطريق- أنيسة عبود