ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
قد لا تكفي المصادفة للحديث في عمق الذاكرة التي ينوس بها الخامس من حزيران، وربما من الصعب المقارنة ونحن على تخوم أحداث تستفرد بالوضع العربي وهو يموج داخل خريطة من الاحجيات الصعبة،
التي تشكلت على وقع ألغازها معالم المخاض العسير للمشهد الدولي الذي يتهيأ للخلاص من ربق الأحادية القطبية.
وكان مقدراً للخامس من حزيران أن يمضي وقد أُغلقت دونه الابواب والذاكرة، كما أسدلت على تفاصيله ستائر تحجب ما علق منه وما استقر على دفاتر الزمن، لكن فجره هذا العام حمل ما يغاير روزنامة اعتادت على رتم الانكسارات لعقود خلت وما ينفض عنه غبار المصادفة وحتى المعاندة في اتجاه الريح ومعاكسة التيار.
فاليوم لم تستطع قاعات جنيف المغلقة بإحكام أن تحجب تداعيات ما جرى في القصير، ولم يكن بمقدور المجتمعين أن يتجاهلوا ما يترتب على ذلك، رغم الفارق في المسافة، وربما في المعادلة التي تتشكل سواء على الأرض أم في المشهد السياسي.
ما ورد إلى جنيف من القصير لم يقتصر على الأخبار التي سطرت على عجل، وفي وقت لم يكن الكثيرون قد توقعوه، ولا استعدوا كي يبنوا على الأمر مقتضاه، بل شمل ما سطره وبالبريد العاجل، وما قدمه بالدليل القاطع، وما كشف عنه بالقرينة الدامغة.
واليوم أيضاً لم يكن من المسموح أن تستمر النكسة في حضورها الأبدي على دفاتر الأمة، وقد فتحت الأبواب وتركت النوافذ مشرعة على وهج الحديث كي يستقر في نهاية المطاف على أبجديات جديدة كان يخطها الجيش العربي السوري في مواجهة لا تقبل القسمة، مع أعداء اصطفوا في كل الاتجاهات، وجهزوا قوس نشابهم، وتوحدت تحت رايته دول العدوان في الخارج وعصابات الإرهاب في الداخل.
في معايير الحسابات كان الجميع يقرأ الرسائل الواردة، ويتمعن في مضمونها، ورغم التباين في حجم التفاعل معها فإن الصورة كانت تكتسي ببراهين إضافية، على أن المسألة لا تتعلق فقط بما تحقق على أهميته وتأثيراته المختلفة، وانما أيضاً بما يترتب عليه من معايير جديدة على الأرض ستترك بصماتها وبوضوح على الطاولة الممدودة في قاعات جنيف كما سيكون لها طيفها الخاص على المستوبات الأخرى.
إذ لا يخفى على أحد أن ثمّة مراهنات عديدة تمّ وضعها حول القصير، ورهانات جرت وتجري خلف الكواليس وفي الغرف المغلقة، شاركت فيها أطراف ودول عربية وإقليمية وأجنبية على أن معركة القصير لا تزال في طور بدايتها، وأن حسمها لا يزال بعيداً في الزمن، وقد تورطت تقارير الاستخبارات الغربية بالاعتماد على ما توافر لديها من معطيات مرتزقتها على رسم صورة مغايرة للواقع.
وإذا كانت واشنطن قد قدمت إلى جنيف وفي صدر اهتماماتها وعلى قائمة لائحتها أصوات مرتزقتها وهواجس أدواتها المرتبكة في المنطقة، فإنها كانت مضطرة لإضافة الهلع الإسرائيلي كمؤشر استجد على الطاولة وبات موضع قلق يزيد من متاعب الأميركي الحاضر وجعبته متخمة بما أملته تطورات المشهد التركي في أول بروفة على انقلاب الطاولة التي أيقظت مخاوف مشيخات الخليج، وأطلقت العنان لاستغاثات مرتزقتها.
حزيران يريد أن يخلع ثوبه، ودفاتر النكسة تتهيأ للرحيل، وما استبدله في أولويات السياسة يقدمه اليوم في أبجديات لا تكتفي باجتثاث الإرهاب حيثما حل، بل تحارب امتداداته في أجندات المتربصين خلف الحدود والقابعين وهم يحصون دفاتر عودتهم المستحيلة بعد أن حولت رسائل القصير اتجاهات البريد العاجل.
وحين يخلع حزيران ثوب هزيمته لا بد لكثيرين أن يخرجوا من جلدهم، وأن يبتلعوا أصواتهم، وبعضهم لايزال يكابر في الإقرار بالحصيلة، ولا يزال يرفض الاعتراف بأن مواسم الانتصار تسجلها إرادة السوري وعنفوان الجيش العربي السوري، وتقدم اليوم وجهاً معادلاً يغاير الاتجاه السائد ويقلب نواميس العرف العربي في سنوات قحطه البائسة.
a.ka667@yahoo.com