أجندات ما بعد كورونا

هل ستتغير الأجندات الوطنية والإستراتيجيات الدولية بعد تجاوز تبعات فيروس كورونا على دول العالم؟ سؤال مطروح ويمتلك الطرح شرعيته، من خلال ما شكله هذا الفيروس من صدمة قوية على المستوى العالمي، سواء كان ذلك في البعد السياسي أم الشعبي والجماهيري، جعلت الكل يتحدث عن عالم ما بعد كورونا مركزاً في ذلك على سلم أولويات دول العالم على مستوى خطط التنمية، سواء ما تعلق منها بالصحة والتعليم والخدمات العامة أم على الصعيد الدولي، وترتيب علاقات الدول فيما بينها من تحالفات وعلاقات اقتصادية ذات طابع عسكري وأمني له سمة الإستراتيجية، وعلى هذا يمكننا القول: إن حقائق ووقائع ستفرض نفسها على الجميع ومن دون استثناء، لجهة أن فيروس كورونا هاجم الكبار قبل الصغار، واقتحم حصون القوى الكبرى من دون استئذان، ليسقط مقولة ترسَّخت لمئات السنين بدعوة سيطرة الإنسان على الطبيعة وتحكمه بآليات تفاعلها، وإذا كانت الأبحاث أو التكهنات الأولية تشير إلى أن مصدره نوع من أنواع الخفافيش في الصين، فالحقيقة، إن سرعة انتقال الفيروس من بلد إلى آخر، لها سرعة حركة انتقال وطيران الخفافيش أيضا، وهذه مفارقة تستدعي الوقوف عندها وتأملها .
لقد عرّى الفيروس أنظمة كثيرة، وبين درجة قصورها في مجال الصحة العامة، وتركيزها على فكرتي استحواذ المال وعسكرة العلاقات الدولية وتكريس ثقافة القوة في إدارة العلاقات الدولية، فيه تجاوز واضح لميثاق الأمم المتحدة والشرعية الدولية والحقوق الطبيعية للدول والأفراد، وترافق ذلك كله في اعتداء على الطبيعة، تمثل في قطع الأشجار، وما نتج عنه من تصحر وحرق الغابات وتلويث البيئة عبر نفايات وأبخرة المصانع والمعامل، وعدم التقيد باتفاقية المناخ، إضافة إلى إقامة سدود عملاقة تشير الدراسات الجيولوجية بتأثيرها السلبي في حركة محور الأرض وانزياحاته، إضافة إلى التفجيرات النووية واستخدام الأسلحة المحرمة دولياً في الحروب، بدءاً من الحرب العالمية الثانية، مروراً بإندونيسيا وفيتنام، وصولاً لغزو العراق واستخدام اليورانيوم المنضب، الأمر الذي أودى بحياة مئات الآلاف من العراقيين وخلَّف عاهات وأمراضاً لمثلهم، إضافة إلى تلوث البيئة الطبيعية في العراق ودول الجوار بما فيها سورية وتركيا وإيران، بدليل زيادة معدلات مرضى السرطان وتشوهات الولادة في تلك البلدان على خلفية ذلك.
وبناءً على ما سبق، يمكننا القول: إن العالم ما بعد كورونا سيستدعي بشكل ضروري تغييراً في سياسات الدول وأجنداتها الوطنية وطبيعة العلاقات الدولية، وإن كان بشكل تدريجي وليس دراماتيكياً، وذلك بالتركيز على قضايا الصحة العامة، والتعليم ومحاربة الفقر، ورفع مستويات الوعي، ووضع الإنسان في المقام الأول، والاهتمام بقضايا البيئة، والتربية الأركولوجية، أي الصداقة مع البيئة وعدم العبث بمكوناتها وعناصرها، وليس الكسب المادي وزيادة ترسانات التسلح، على حساب الدور الرعوي للدولة بوصفها أداة لإدارة مصالح المجتمع وحمايته واستقراره وأمنه، وليس وسيلة وأداة صلبة بأيدي قوى رأس المال وذراعاً عسكرية واقتصادية وسياسية لها، وهذه مع الأسف الفلسفة السياسية لقوى رأسمال المعولمة والمتوحشة التي تقدم وهج الثروة على وهج الفكر والقيم الإنسانية النبيلة.
والحال: ستثبت الفترة القادمة أنه سيكون لفيروس كورونا ضحايا سياسية غير الضحايا البشرية وسيكون هذا الفيروس فيروساً سياسياً، بمعنى أنه سيكون على أجندة الأحزاب السياسية وفي البازارات الانتخابية ولاسيما الانتخابات الأميركية وغيرها من آليات الديمقراطية الغربية، ويجب ألّا نستغرب ولادة أحزاب جديدة أجندتها غير سياسية، وإنما صحية بيئية ثقافية إنسانية، استجابة وتجاوباً مع ردود الفعل عند الرأي العام الذي بات مقتنعاً، وبشكل كبير أنه كان بالإمكان مواجهة هذا الفيروس والحد من ضحاياه لو أن ثمة إرادةً صادقة، وأولويات اجتماعية، ونظاماً صحياً مركزياً وقوياً كانت هي العنوان العريض والأساسي لتلك الحكومات التي يبدو واضحاً للعيان أنها قدمت مصالح قوى رأس المال الاقتصادي على مصالح قوى رأس المال الاجتماعي.

إضاءات- د خلف المفتاح

آخر الأخبار
تقرير مدلس.. سوريا تنفي اعتزامها تسليم مقاتلين "إيغور" إلى الصين محافظ السويداء يؤكد أنه لا صحة للشائعات المثيرة لقلق الأهالي  بدورته التاسعة عشرة.. سوريا تشارك في معرض دبي للطيران أحداث الساحل والسويداء أمام القضاء.. المحاكمات العلنية ترسم ملامح العدالة السورية الجديدة وزمن القمع... الاقتصاد في مواجهة "اختبار حقيقي" سوريا وقطر.. شراكة جديدة في مكافحة الفساد وبناء مؤسسات الدولة الرقابة كمدخل للتنمية.. كيف تستفيد دم... إعادة دراسة تعرفة النقل.. فرصة لتخفيف الأعباء أم مجرد وعود؟ منشآت صناعية "تحت الضغط" بعد ارتفاع التكاليف وفد روسي ضخم في دمشق.. قراءة في التحول الاستراتيجي للعلاقات السورية–الروسية وزير الخارجية الشيباني: سوريا لن تكون مصدر تهديد للصين زيارة الشرع إلى المركزي.. تطوير القطاع المصرفي ركيزة للنمو المؤتمر الدولي للعلاج الفيزيائي "نُحرّك الحياة من جديد" بحمص مناقشة أول رسالة ماجستير بكلية الطب البشري بعد التحرير خطة إصلاحية في "تربية درعا" بمشاركة سوريا.. ورشة إقليمية لتعزيز تقدير المخاطر الزلزالية في الجزائر    السعودية تسلّم سوريا أوّل شحنة من المنحة النفطية تحول دبلوماسي كبير.. كيف غيّرت سوريا موقعها بعد عام من التحرير؟ سوريا تشارك في القاهرة بمناقشات عربية لتطوير آليات مكافحة الجرائم الإلكترونية جمعية أمراض الهضم: نقص التجهيزات يعوق تحسين الخدمة الطبية هيئة التخطيط وصندوق السكان.. نحو منظومة بيانات متكاملة