ثورة أون لاين – فاتن أحمد دعبول:
ربما لانحتاج في هذه العجالة التي نحتفي من خلالها بيوم الكتاب العالمي أن نجلد النفس من جديد، وأننا أمة” اقرأ” التي لاتقرأ، وأن ثمة أولويات هي التي تستحوذ على اهتماماتنا بعيدا عن عالم الكتاب والقراءة على أهميتها القصوى في بناء العقول النيرة والأجيال الواعية.
الكتاب الذي صنف بأنه الوسيلة الأقدر على التعبير عن القيم، والواسطة الأكثر نجاعة في نقل المعارف كونها مستودعا للتراث على اختلاف أنواعه وأشكاله، نستطيع أن نطل من خلاله على التنوع الثقافي لنقطف من ثمار المبدعين على اختلاف مشاربهم ومناهلهم، ومن هنا يجب أن نعي ماذا نقرأ ولماذا نقرأ وماهو دورنا في خضم هذا العالم الذي تتنازعه تيارات مختلفة وتتصارع فيه قوى متعددة في محاولات لاستقطاب جهود الكتّاب وعصارة أفكارهم في التسويق لمشاريعهم المتطرفة حينا، والعدوانية ربما في أحيان أخرى.
واستنادا إلى مقولة شكسبير” أن الكتاب هو وسيلة فعالة للتصدي لما أطلق عليه” اللعنة المشتركة التي تجمع بين الحماقة والجهل” لابد أن نكون على دراية في اختياراتنا للكتاب الذي نتداوله وخصوصا في ظل طغيان عالم التكنولوجيا والفضاءات المفتوحة لنحصن أبناءنا من غزوات ثقافية تحاول أن تتسلل إلى حياته عبر الانترنيت وعبر الضجيج الإعلامي المرافق في محاولة لإثارة الاهتمام ونشر أفكار وقيم هي لاتشبهنا ولاتمت لمجتمعاتنا ورؤانا القيمية والثقافية بصلة.
واليوم إذ يحتفل العالم بيوم الكتاب فإنما هي محاولة للتذكير بدوره في حياة الأفراد وتطوير المجتمع ورقيه، وترسيخ تقليد عالمي من خلال دعوة الناس إلى عادات تكرس فعل القراءة وتداول الكتاب ليكون خير الجليس في الحل والترحال، وفرصة لبث رسالة إلى المؤسسات التعليمية والمدارس لتشجيع الأطفال على اقتناء الكتاب ليكون رفيق دربهم ونافذتهم على العالم، وكونه يشكل هويتهم، وهذا ماأكده الفيلسوف اليوناني أرسطو عندما سئل كيف تحكم على إنسان ما، فأجاب: أسأله كم كتابا قد قرأ، وماذا قرأ”.
ولسنا اليوم بصدد تعداد فوائد القراءة ودورها في نهضة الشعوب وتشكيل وعيها المجتمعي والثقافي والحضاري، ولكن لنقف مع أنفسنا في مراجعة دقيقة ماالذي ينبغي أن نقوم به لإعادة ألق الكتاب وليحتل مكانته التي تليق به من جديد، وهنا لايمكن تجاهل العديد من المبادرات التي حاولت بإمكانات متواضعة وخصوصا في ظل انتشار وباء” الكورونا” أن تملأ بعض الوقت ببث برامج ثقافية والحث على المطالعة ومحاولة الكتابة والتعبير كل بأسلوبه عما يجري في ظل الحظر الصحي، ولكنها على أهميتها ربما تكون جهودا مرحلية أو آنية، في الوقت الذي نحتاج فيه إلى استراتيجيات وبرامج طويلة الأمد لتعزيز فعل القراءة وانتشار تداول الكتاب، وخصوصا مايخص تأسيس مكتبات منزلية، ورحلات معرفية إلى المتاحف والمكتبات والتعرف على الآثار والأوابد لربط الأجيال بتراثهم والتمسك بهويتهم وقيمهم.
ولأن الكتاب عنوان الحضارة ونافذتنا على العالم لابد أن يحظى بالمكانة التي تجعله الصديق الدائم عبر القيام بمسابقات ونشاطات وجلسات للقراءة تغني المعرفة وتنضج العقل وتعيد حيوية الحياة وبريقها عبر مانكتسبه من فعل القراءة، وليكن لنا طقوسنا المعرفية الغنية وإعادة دور المقاهي الثقافية بعد أن فرغت من محتواها الثقافي وجلسات الأدباء والمفكرين، ليحل محلها الصخب والضجيج ودخان النراجيل، ومحقون من قالوا ان الكتاب يتيح تواصلا مباشرا أكثر حميمية مع القارئ وليس هنا من حاجة إلى ضغط زر.