الملحق الثقافي:سهير زغبور:
كانت جدتي – التي لم تكن تعرف القراءة أو الكتابة – تحكي لنا الحكايا عن الزرع ودود القز، عن الأرض وكيف يعملون بها ويحصدون خيرها. لم أستطع حينها التقاط تلك الصور الجمالية التي تقفز من كل معنى. ولطالما حاولت الفرار من هذه الجلسات عندما يتملكني الملل، لكنها كانت تشدني من يدي لتبقيني أكثر.
لوقت طويل ظننت أنني نسيت حكاياها. ظننت أن تطور العلم والتكنولوجيا محا تلك الذاكرة. ولطالما ظننت أيضاً أن كل من تعلم أو قرأ كان مثقفاً.
عن أي ثقافة نتحدث اليوم وأفكارنا محض نظريات، محض مطية نقدم أنفسنا فيها كعظماء سيخلدنا التاريخ، ونحن ندعي حب الأرض.
من هو المثقف؟ ما هي الثقافة؟ إن لم تكن كلماتنا معجونة بتراب هذه الأرض الطيبة، وعرق من حرسها وحرثها، فكل ثقافتنا باطلة.
الثقافة ليست نشراً لبطولاتنا وماذا أنجزنا. الثقافة ليست منبراً للكلمات الرنانة. الثقافة أن نبحث عنها في دور الأيتام ومآوي العجزة. أن نبحث عنها بين البسطاء والمساكين والمرضى. أن نعيد طالباً إلى مدرسته التي تركها ليعمل. الثقافة أن نقدد المطر لمواسم الجفاف، أن نبحث عن الإنسان أولاً وأخيراً وآخراً في ذاتنا، والآخر الذي قد لا يشبهنا لكنه شريكنا في الإنسانية.
الثقافة أن نعمد حبرنا بالروح كي يستحق الخلود. فنحن اليوم أحوج إلى ما يقوي عزيمتنا لا أن يثبطها. وبكل أسف أرى أن انتشار وباء كورونا عرى الكثيرين، جعلهم يقعون بداء أشد فتكاً (هو المثقف المريض)، حين يبث أفكاره السامة أو التي تدفع لليأس، حين ينظّر من برجه العاجي، دون أن يدرك حقاً أن الثقاقة في الميدان، ميداننا، أرضنا بكل المقاييس، ميداننا، حكايا أجدادنا التي لم ولن نجد أصدق منها.
ليت جدتي شدتني من يدي أكثر لأستمع لكل ما أرادت أن تقوله، حقاً.
التاريخ: الثلاثاء28-4-2020
رقم العدد : 996