ثورة أون لاين:
بدأ دان باروش، الباحث في شركة جونسون أند جونسون، منتصف يناير/كانون الثاني 2020، مختبره في مدينة بوسطن الأمريكية، إلى جانب عشرات المختبرات حول العالم، بتصميم لقاحات أملوا بأن تحمي مليارات الأشخاص ضد الفيروس المُسبِّب لمرض كوفيد-19.
وبحلول نيسان 2020، دخل على خط المواجهة مع الفيروس، نحو 80 شركة ومعهدًا، في 19 دولة، لإنتاج لقاحات تركزت معظمها على الهندسة الجينية بدلًا من الأساليب التقليدية، المُستخدَمة في لقاحات الإنفلونزا منذ أكثر من 70 عامًا.
وتوقعت المختبرات الوصول إلى اللقاح التجاري المُتاح للاستخدام في حالات الطوارئ أو الحالات الإنسانية، بحلول العام 2021، ما يعكس محاولات العلماء لتسريع إنتاج لقاح مضاد، في سابقة هي الأولى من نوعها، إذ أن لقاحات الأمراض الجديدة خلال تاريخ البشرية، كانت تستغرق عقدًا من الزمن لإكمالها ونشرها. حتى أن لقاح الإيبولا، استغرق خمسة أعوام للوصول إلى تجارب واسعة النطاق لإنتاج لقاح له على الرغم من الجهود المكثفة. وإن أنتج باروش ونظرائه لقاحًا آمنًا وفعالًا في غضون عام واحد، فسيكون ذلك أسرع لقاح طُوِّر في التاريخ.
ويحقن اللقاح التقليدي عادةً، في الخلايا، أجزاء مختارة من الفيروس. ليُعرِّف الجهاز المناعي تلك الجزيئات والمسماة بالمستضدات، على أنها تهديدات، ويتفاعل معها بصنع الأجسام المضادة، وهي الجزيئات القادرة على تذكر الفيروس وإيجاده والقضاء عليه، في كل مرة يحاول بها الدخول إلى الجسم.
وقد تستغرق عملية استخراج المستضدات المناسبة للفيروسات المألوفة المتغيرة كل عام كالإنفلونزا، من 4 إلى 6 شهور. أما الفيروسات الجديدة فقد يستغرق الأمر أعوامًا عدة من المحاولات. ما يزيد نسبة الخطر عندما تتحول الفيروسات إلى وباء.
أما التوجه الحديث، فيعتمد على الجينات لإيجاد لقاحات، إذ يستخدم العلماء معلومات من جينوم الفيروس لإنشاء مخطط للمستضدات المُختارة، يتكون من DNA أو RNA ، يحمل تعليمات جينية يحقنها الباحثون في الخلايا البشرية، لتستخدمها الخلية في صنع مستضدات الفيروسات المتفاعلة مع جهاز المناعة.
يوجد حاليا ثلاث مقاربات للحصول على تلك المخططات؛ الأولى هي بلازميدات DNA ، التي تشكل أداة مفيدة في حال تحور الفيروس، ما يساعد الباحثين على تغيير المخططات بسهولة. وتُستخدَم اللقاحات القائمة على البلازميدات في الاستطبابات البيطرية؛ مع الأسماك والكلاب والخيول، ولكن التطبيقات البشرية قاصرةٌ قليلًا في هذا المجال.
وتدعى المقاربة الثانية بلقاحات الحمض النووي الريبوزي (RNA) وفيها يتخطى العلماء خطوة البلازميدات، من خلال وضع المخطط في شريط من الحمض النووي الريبوزي. ليُوضَع داخل الليبيدات المحقونة في الجسم؛ وهي جزيئات دهنية تحتوي على الهيدروكربونات وتمثل حجر أساس لبناء ووظائف الخلايا الحية.
وأظهرت الأبحاث أن لقاحات RNA ، قد تكون أنجع من بلازميدات DNA ، في صنع أجسام مضادة، كونها تحفز ذاكرةً أقوى في جهاز المناعة، ولهذا فهي تتطلب جرعات أقل. ويجري العلماء تجارب سريرية مبكرة على لقاحات الحمض النووي الريبوزي، لأمراض فيروسية أخرى؛ منها داء الكلب وفيروس نقص المناعة البشرية.
وتستطيع أنزيمات الجسم تحليل لقاحات الحمض النووي الريبوزي بسرعة، وهي حساسة للحرارة، ما يوجب إبقاءها مُبردة، ولذلك فهي أقل استقرارًا من لقاحات البلازميدات المستقرة عند درجات حرارة أعلى.
في حين يستخدم باروش وفريقه البحثي مقاربة ثالثة؛ قائمة على حقن مخطط DNA داخل فيروس نزلات البرد الشائع، ويحقن الفيروس في الخلايا البشرية ويسلم المخطط الذي يحمله، ما يعني أن الباحثين يستخدمون فيروسًا مُهندَسًا وراثيًا، غير قادر على استنساخ نفسه داخل خلية بشرية.
وبمجرد التأكد من عمل اللقاح المبدئي في مستنبتات المختبر، سيُجرَب على الحيوانات لمعرفة مدى أمانه وقدرته على إحداث استجابة مناعية، ثم يُختبَر على البشر بمجموعات صغيرة للتحقق من السلامة والآثار الجانبية، ثم تُرفَع الأعداد لمعرفة مدى فعاليته.
وقالت لبريندا جي هوغ، عالمة الفيروسات وخبيرة الفيروسات التاجية في جامعة ولاية أريزونا «لا يوجد حتى الآن لقاح أولي نموذجي، ولكن سرعة عمل علم الوراثة وعمل الشركات بكامل طاقاتها يشعرني بإيجابية كبيرة».