ثورة أون لاين – غصون سليمان:
رغم كل التحذيرات التربوية والنفسية الموجهة للأسرة والأهل بشكل عام والتي تقضي بوجوب الإقلال قدر الإمكان من مشاهدة أطفالهم لمشاهد العنف في برامج الأطفال المخصصة لمختلف أعمارهم، إلا أن الواقع عكس ذلك، فغالباً ما تلجأ الأمهات إلى تسلية أبنائهن عندما يكن مشغولات بأمور البيت وغيره بإعطائهم “الموبايل” لإلهائهم بمقاطع اليوتيوب لقنوات الأطفال المتعددة، ما يعني غياب المراقبة لما يلفت انتباههم بشكل إيجابي، أو ما يزعجهم من خلال الصراخ والبكاء والخوف، وهذا ما حصل مع الطفل “سليمان” عامان ونصف العام، وهو يشاهد صورة يضرب فيها الأب بناته الصغار مع صراخ واستغاثة مؤلمة، ما جعله يبكي ويصرخ مثلهن، وقد تكرر المشهد في أكثر من مرة لصور عنف مختلفة رآها.
فكيف تؤثر وسائل الإعلام في ظاهرة العنف الرائجة في برامج الأطفال إلى الأفلام والمسلسلات؟ تبين الأبحاث في هذا الميدان أن تأثير مشاهد العنف يختلف باختلاف الظروف والمعايير، فأفلام الرعب والخيال العلمي هي التي تقدم للأطفال بشكل واسع، وربما يعود إقبال الأطفال على هذه البرامج لأنهم لا يجدون فيها شيئاً من وحي حياتهم أو تجاربهم الشخصية، فكل شيء فيها ممكن، ولكنها لا ترتبط بالواقع أبداً، ومردّ ذلك حسب الدكتور علي بركات في كتابه العوامل المجتمعية للعنف المدرسي، يعود ذلك لأنهم لا يفهمونها بشكل جيد، ولا يجوز أن تهمل المشاهد العنيفة وما إليها في أفلام الكرتون مثل السكاكين والأدوات الحادة التي يكون تأثيرها أكبر من تأثير الأدوات النارية التي ليس لها الاحتكاك الجسدي المؤثر أحياناً، ويلفت بركات إلى أن معظم الدراسات لغاية الآن لم تصل إلى نتائج مقنعة، فالمتغيرات كثيرة والدراسات تنتهي دائماً إلى القول إنه لا توجد علاقة بين مشاهد العنف وتصرفات الأطفال، فيبدو للوهلة الأولى أنه لا علاقة بين مشاهد التلفاز والعنف الذي يؤديه الأطفال العاديون، ولكن الملاحظة من وجهة نظر بركات تبين بوضوح أن الألعاب العنيفة التي يمارسها الطلاب في باحات المدارس بشكل عام وثيقة الصلة بالمشاهدة التلفزيونية العنيفة، منوهاً بأن هذه الألعاب هي من أهم الأسباب التي يعبر بها الطفل عن العنف الكامن في داخله، وقد عبر بعض الباحثين عن هذه القضية ومنهم (شالفون) بالقول: إن مشاهد العنف قد تلعب دوراً في تفريغ الشحنة العدوانية وإسقاطها من الدواخل النفسية، وتعويده للعيش مع الآخرين والتكيف معهم، ويقوم هذا الاعتقاد على أن الفرد يرغب لا شعورياً بالتخلص من الآخر تحت تأثير نزعة عدوانية، ويشعر أيضاً أنه منزعج منه، وبالتالي فإن مشهد العنف يسمح للمشاهد أن يعيش حالات عنف تعويضية لا يجرؤ على فعلها بنفسه فيتم ذلك عن طريق التوحد مع معطيات المشهد، ويؤدي به ذلك إلى التخلص من “النكبات” اللاشعورية الداعية إلى العنف.
وفي هذا المجال يشير الدكتور بركات أنه يجب على الأهل الإقلال من أوقات مشاهدة الأطفال لأفلام العنف، وعليهم أن يروا أو يشاهدوا الفيلم أولاً وبعده يسمح للطفل بمشاهدته حسب ظروفهم التي تسمح بذلك، وفي سياق آخر يجب عدم اعتماد موقف منع الولد منهجياً من أي تعبير رمزي مثل اللعب بمسدسات الأطفال ومشاهدة أفلام على الشاشة أو في السينما يصور فيها العنف حتى ولو كان ذلك بشكل رسوم متحركة، أما الطفل حسب رأي بعض الباحثين فهو يحتاج إلى سبل رمزية للتنفيس عن عدوانيته، فإذا لم يقدمها له الأهل وجدها بنفسه، فمن دون وسائل التنفيس هذه لا يتعلم الولد كيف يروض عدوانيته وأن يصبح إنساناً مسالماً ودينامياً معاً، ولذا يجب ألاّ توضع في يد الطفل ألعاب تطلق قذائف يمكنها أن تجرح أو ألعاب توحي بالقسوة، كذلك يجب تخفيض نسبة العنف في المشاهد التلفزيونية والسينمائية، والأهم من كل ذلك وجوب أن نخلق حول أبنائنا مناخاً قليل القابلية لنمو العنف من جراء الحب الأسروي وإشباع حاجات الأولاد النفسية، فإذا وجدوا المناخ العائلي المناسب من هذا النوع، فلن تؤذيهم رموز العنف في الألعاب أوالمشاهد، بل ستساعدهم على التخلص من عالم العنف والعدواني القابع في لا وعيهم والتحكم السليم بعدوانيتهم.