أم هي مغيبة لا حول لها ولا قوة، لذلك يعيد المواطن العربي ويكرر في الفعل مرات ومرات ولا يتعظ أبداً ؟
يقيم التحالفات مع عدوه وكانه الصديق الذي مدّ له اليد وقت الضيق. يطعن في الظهر ألف مرة ويقول ( هذه ليست طعنة بل هي نكزة ) يسيل دمه أمام نفسه ويقول هذا ليس دمي.
متى يستيقظ المواطن العربي من كبوته ويستطيع التمييز بين الخيط الأبيض والاسود قبل أن تنتهي به الظلمة المعرفية والإدراكية إلى الهاوية ؟
مع كل الأسف ..نحن قوم بلا ذاكرة. لقد وصل بنا الضعف والعجز والاستلاب إلى حال مزرية لا تنفع معها اللمزات ولا النكزات. إن الهوان الذي نحن فيه لم يكن إلا في زمن الإمارات والمحميات والممالك الكثيرة المتنافرة التي تستعين على أخوتها بالعدو الذي لديه مبدأ هام وساطع منذ عصر الأندلس حتى الآن ( فرق تسد ).
وها نحن نعيد الدرس بكل أمانة وبكل احترام نتفرق، نتقاتل، ندمر بلداننا ونذبح اخوتنا ونلقي بأنفسنا في أحضان الأميركي والأوروبي والعثماني، وندفع الجزية للصهيوني ونحن نتقرب منه وننحني لقلنسوته اللعينة.
نعم. نحن بلا ذاكرة. لقد أصابنا – الزهايمر – فلم نعد نفرق بين العدو وبين الصديق.
ألم يكن العثماني عدونا ؟ أما نهب بلادنا وقتل شعبنا ونصب المشانق لثوارنا من ساحة المرجة إلى اليمن ؟
أما مزقنا الفرنسي والبريطاني والإسباني والإيطالي وقبلهم الصليبي. قسموا بلداننا ووزعوا الحصص منها على غيرنا اقتطعوا مدنا وجزرا” وبشرا” وولايات واخترعوا لها اسما وعلما” وألوانا.
نحن ما نزال في الطور الجنيني ..لم تتشكل ملامحنا منذ قرون. ذائبون في ماء الآخر القوي. تابعون لكل الذين مروا على أرضنا وقتلونا ونهبونا وسبوا بناتنا ولسنا تابعين لأنفسنا، ولا لهوياتنا منسحقون، مستلبون ..كأننا لسنا أحفاد عمر وعلي وخالد ولسنا أحفاد البطولات والرايات الخفاقة من مشرق الأرض إلى مغربها ؟
فلماذا كل هذا الاستلاب وهذا الضياع وهذا التناحر، العالم يتقدم ونحن نسير إلى الوراء لا نستطيع مواجهة حتى ذاكرتنا فكيف نواجه هذه المتغيرات الكونية الخطيرة ؟ هل نأتي بكواكبي آخر يوقظ الأمة النائمة ؟
العثماني يريد أن يصلي في دمشق…… والصهيوني يريد أن يهود القدس. والأميركي يريد صفقة القرن. وبعض العربان يعلنون أن لا علاقة لهم بفلسطين. وكأن فلسطين لا تضم المسجد الأقصى ولا كنيسة القيامة وليست الأرض التي سرى إليها الرسول ( ص ).
فماذا ننتظر بعد من أمة بهذا القدر من الهوان والضياع ؟
يكفي أن نستعيد ما حدث في سوريا وكيف استعان العملاء بالمال العربي، وبعصا الغرب لينهبوا ويدمروا الاقتصاد ويجوعوا الشعب السوري ويهجروه في أصقاع الأرض.
يكفي أن نتذكر سحل الجنود وتفجير المشافي وإحراق أنابيب النفط، وذبح وإحراق قرى وبلدات لتكون بيد المرتزقة العربية والعثمانية والغربية ..يكفي أن نتذكر القليل حتى تنفجر قلوبنا من الغيظ والقهر والألم.
ويكفي أن نتأمل ونحن جياع ونعاني شظف العيش لندرك بأن العربي بلا ذاكرة بلا هوية، بلا مبادئ يتمسك بها .. وإلا كان تذكر أن عدو الأمس هو عدو اليوم ولا يمكن لهذا العدو الطامع أن يكون صديقاً ولا رفيقاً.
إن الدرب الصعب الذي مشيناه سيمشيه بعدنا الأبناء ومن ثم الأحفاد. وستتكرر المأساة مرة ومرة ..لأننا بلا ذاكرة وطنية وقومية وتاريخية.
وعلينا أن نعترف بذلك مع كل الأسف.
أنيسة عبود