سورية تقف أمام مواجهة جديدة مع منظومة العدوان اليوم، وهذه المواجهة تفرضها الجرائم الأميركية التي تزداد بشاعة في كل مرحلة يفرض فيها الصمود السوري معادلة قوة إضافية، تدفع الولايات المتحدة لرفع منسوب اعتداءاتها، والتدرج بإجراءات الحظر والحصار التي تأخذ منحى تصاعدياً يريد من وراءها المحتل الأميركي كسر إرادة السوريين، وهذه الغطرسة لا تقتصر على إدارة ترامب وحدها، ويبدو أنها باتت بازاراً للتنافس بين المرشحين الأميركيين للانتخابات الرئاسية القادمة، وهذا ما دلت عليه شهية جون بايدن المفتوحة لتكريس واقع الاحتلال في منطقة الجزيرة، ومواصلة أساليب القرصنة واللصوصية لنهب ثروات السوريين ومحاصيلهم الإستراتيجية.
جريمة حرق المحاصيل الزراعية هي إحدى الأساليب القذرة التي أمر ترامب بتنفيذها، لتشكل مع ما يسمى “قانون قيصر” ورقة ضغط وابتزاز جديدة، وذات تأثير اقتصادي كبير، يتوهم المعتوه الأميركي بأنها ستمنحه قدرة إضافية لتفكيك عوامل القوة والصمود السوري، وتعطيه في الوقت ذاته مساحة أمان لوجوده الاحتلالي، لا سيما في ظل تنامي المقاومة الشعبية ضد هذا المحتل، ومحاولة إضعافها قبل أن يشتد عودها.
استهداف السوريين بلقمة عيشهم قد يكون الهاجس الأميركي الوحيد في إطار الحرب الإرهابية الاقتصادية، ولكن جريمة إحراق محصول القمح الاستراتيجي وغيره من المنتجات الزراعية لها أبعاد عدوانية أخرى، منع الفلاحين من بيع محصولهم للدولة للحيلولة دون تمكينها من الاكتفاء الذاتي هو هدف للعدوان، ومحاولة تجويع أهالي المنطقة عبر منعهم من الاستفادة من محاصيلهم الزراعية هدف آخر تنطوي عليه رغبة أميركية بدفعهم لترك أراضيهم ومنازلهم وإخلائها لمرتزقة الاحتلالين الأميركي والتركي ضمن سياسة التهجير القسري التي تنفذها القوات الغازية، وربما يكون الهدف الأبرز هو إجبار الأهالي على التخلي عن خيار المقاومة – الذي تجسد أكثر من مرة بالتصدي لقوافل مدرعات الاحتلال الأميركي وطرد عناصره من عدة قرى- وإرغامهم على الانخراط في صفوف التنظيمات الإرهابية التي تستنسخها قوات الاحتلال الأميركي في المنطقة، أو على أقل تقدير الانضواء تحت راية ميليشيات “قسد” لتعزيز موقعها الانفصالي وتمكينها من فرض المشروع الصهيوأميركي التقسيمي.
هذه الأهداف العدوانية مجتمعة تنكب منظومة العدوان لترجمتها على الأرض، لتشكل مع واقع الاحتلال الإرهابي الذي يحاول نظام المجرم أردوغان تكريسه في ادلب حزمة ضغط كبيرة يتوهم رعاة الإرهاب أنها قد تدفع الدولة السورية لتقديم التنازلات على مسار الحل السياسي، بما يتيح للمحتل الأميركي أن يثبت نفوذه في المنطقة عبر البوابة السورية، وبالتالي تحقيق ما عجزت عنه أدوات الغرب الاستعماري من “داعش ونصرة” وغيرهما طيلة سنوات الحرب الإرهابية الماضية، خاصة لجهة تحييد سورية عن دورها وموقعها المقاوم الذي لا يزال حتى الوقت الراهن يشكل عامل صد لكل المشاريع التخريبية المعدة لدول المنطقة، ومشروع تصفية القضية الفلسطينية عبر مؤامرة “القرن” مثال واضح.
تدرج الولايات المتحدة بممارسة إرهابها المنظم، والذي يأخذ فصولاً وأشكالاً متعددة، بقدر ما يسببه من معاناة للسوريين على مستويات عديدة، إلا أنه يوضح في الوقت نفسه مأزق الإدارة الأميركية العاجزة عن فرض مشاريعها الاستعمارية رغم ما تملكه من قوة متغطرسة، وإرباكها الواضح في سياستها الرعناء تجاه الشعب السوري يعكس نزعتها الانتقامية، وهذه النزعة ستولد لديها المزيد من الأحقاد، لسبب بسيط جداً، هو أن صمود السوريين سيزداد قوة ولن يخبو أبدا، فهم أصحاب حق، وصاحب الحق لا بد أنه منتصر.
نبض الحدث – بقلم أمين التحرير ناصر منذر