قد يرى البعض أن الوقت تأخر للكتابة عن “يوم القدس العالمي” الذي اعلنه الإمام الخميني عام 1979 ، لكن القدس بوصلة المقاومين ليس لها يوم رمزي واحد، فهي كما الصلاة على مدار الحياة، أشخاصاً وأجيالاً.
وعندما بشر سيد المقاومة حسن نصرالله بأنه يرى أن الصلاة في القدس ستكون على أيامه وأنه يرى شذاذ الآفاق الصهاينة يجمعون حقائبهم للعودة من حيث أتوا، لم يكن يتنبأ أو يحلل – وهذا ما أكد عليه غير مرة – بل يبني هذه الرؤية على معطيات واقعية.
إن العالم كله يعرف أن الكيان العبري ليس كياناً دينياً وإن كان المتطرفون الصهاينة ينادون بالدولة اليهودية كغطاء لتفريغ فلسطين من أهلها وتحويلهم الى عدد من الدول العربية ومنها الاردن وشمالي سيناء ولبنان وسورية في اطار “صفقة القرن” ولكل دولة أثمانها لتكون “اسرائيل” كياناً وظيفياً لخدمة المشروع الاميركي – الغربي ، فهل حقق هذا الكيان وظيفته ؟
إن الهزائم المتكررة التي لحقت بهذا الكيان الغاصب من محور المقاومة كشفت مدى هشاشته وضعفه في المواجهات المباشرة خصوصاً إذا استغرقت وقتاً طويلاً، فالكيان الغاصب اعتاد على الضربات الخاطفة لأنه يفتقد الى البنية المجتمعية الصامدة وطويلة النفس، وما الاختراقات التي يقوم بها في سماء لبنان والضربات التي يوجهها بين وقت وآخر إلا نوع من إثبات الوجود ليس إلا ، فهي – أي الضربات – لم تحقق أياً من أهدافها خصوصاً في سورية التي تعتمد مع محور المقاومة استراتيجية الصبر، وترد بالشكل والتوقيت المناسبين اللذين لا يؤديان الى فتح حرب شاملة ليس بمقدور “اسرائيل” خوضها إلا بدعم اميركي واوروبي، ومن يتحدث على خلفية التهديدات الاسرائيلية عن حرب الشمال الاولى أو الحرب الشاملة فهو بالتأكيد لا يعرف هشاشة هذا الكيان.
إذاً.. كيف يمكن القول بما قاله سيد المقاومة بأنه يرى شذاذ الآفاق وهم يجمعون حقائبهم ليعودوا من حيث أتوا.. ؟
لا شك أن الصبر الاستراتيجي له سقوفه، وأن العدو الغاصب الذي يريد إقامة كيانه من البحر الى النهر لن يستطيع الاستمرار على هذا المنوال، فهو يريد حرباً لكن شرط أن يكون العالم معه وفي مقدمته أميركا.
بكل تأكيد يجيب المشهد العالمي عن هذا السؤال، فبعد أن استوعبت أميركا أن أداتها لن تقوى على تنفيذ مخططاتها، جاءت بنفسها لتقوم بهذا العمل، لكنها تكبدت خسائر فادحة جعلتها تبدأ بانسحابات تدريجية من المنطقة وتكتفي بوجود رمزي، وهي تدرك أيضاً أن أي حرب مفتوحة ستتحول الى حرب كونية وجودية، مع الأخذ بالاعتبار بدء الحرب الباردة مع الصين التي إن بدأت فلا أحد يعرف متى تتحول الى حرب ساخنة بوجود مجنون مهووس بالمال مثل ترامب، كما أن ايران لن تبقى على الحياد وهي التي برهنت على قوتها في البحر الكاريبي مؤخراً، وفي المنطقة من خلال ردها على اغتيال الشهيدين قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس بتسوية أكبر قاعدة عسكرية أميركية في العراق بالارض، وهي مستعدة للمزيد بضرب القواعد الاميركية في الخليج.. إضافة الى الموقف الروسي المتحفز لوضع حد للغطرسة الاميركية وللأحادية القطبية.. يجعل كل هذه التوقعات مجرد تهديدات سواء للابتزاز الخارجي أو للاستهلاك المحلي.
وإن غداً لناظره قريب..
معاً على الطريق – د. عبد الحميد دشتي