ثورة أون لاين – فؤاد الوادي:
صورتان متناقضتان تطغيان على المشهد الأميركي، الصورة الأولى هي ذلك الإرهاب الممنهج والعنصرية الموصوفة التي تمارسها الولايات المتحدة ضد الأميركيين المنتفضين بوجه العنصرية والرافضين لسياسات الإرهاب والقتل التي ما تزال تمارسها بلادهم بحق مواطنيها ذوي البشرة السوداء.
الصورة الثانية التي تبدو انعكاسا للأولى بطبيعة الحال، هي ذلك الصمت المطبق الذي يسود العالم، خاصة العالم الغربي الذي تعودنا منه الصخب والضجيج والصراخ والصوت العالي دفاعاً عن التنظيمات والمجموعات الإرهابية التي صدرتها الى سورية والتي مارست أبشع أنواع الإرهاب والقتل بحق الشعب السوري طيلة سنوات الحرب الماضية.
وهاتان الصورتان كفيلتان وإلى حد كبير باختصار أحداث (الفيلم) الدموي الأميركي، والذي قد يصلح له العنوان التالي (ديمقراطية الإرهاب بين أنياب الوحش الأميركي)، فما يجري اليوم في أنحاء الولايات المتحدة ليس جديداً أو مفاجئاً على الاطلاق، بل هو حلقة من مسلسل طويل من الانتهاكات العنصرية التي مارستها أميركا بحق شريحة من الشعب الاميركي، بل هو امتداد لسياسات الإرهاب التي مارستها هي خصوصا، والغرب على وجه العموم طيلة العقود الماضية ضد شعوب العالم، انطلاقا من ترابط المصالح والادوار والغايات والأهداف والطموحات الاستعمارية والاحتلالية التي باتت واحدة ومشتركة بين دول الاتحاد الأوروبي وواشنطن.
وهذا الأمر بطبيعة الحال، أي المصالح والأهداف الواحدة والمشتركة للغرب وأميركا، من شأنه أن يجيب عن كثير من الأسئلة، خاصة ذلك السؤال العريض الذي بات مكرورا و ممجوجاً الى حدود السذاجة، والذي ما يزال البعض يطرحه وباستغراب كبير!!؟، وهو .. لماذا يصمت العالم الغربي عن الإرهاب والعنصرية الأميركية التي باتت تمارس القتل والعنف ضد الشعب الأميركي امام الكاميرات وعلى الهواء مباشرة وبأوامر معلنة من الرئيس الأميركي؟، ولماذا تصمت معه المنظمات الدولية عن تلك الانتهاكات الخطيرة لحقوق الانسان ؟، لاسيما تلك المعنية بالدفاع عن الحريات والديمقراطيات وحقوق الانسان (كما تدعي وتعلن).
إن مجرد مقاربة الموضوع من المنظور الأوروبي من شأنه أن يفتح الباب واسعاً على الخوض في انتهاكات ممنهجة وخطيرة لدول الغرب بشكل عام ضد شعوبها وضد شعوب العالم، وهذا الأمر، أي قيام أي من دول الاتحاد الأوروبي –منفردة أو مجتمعة – بتوجيه الانتقادات الى الحكومة الأميركية حيال انتهاكاتها بحق الشعب الأميركي يعد مغامرة محفوفة بالمخاطر والكوارث قد تؤدي الى نسف قاعدة المصالح الاستعمارية المشتركة بين الطرفين، وهذا يدعونا للقول: إنه حتى لو سمعنا في الساعات والأيام القادمة شيئا من هذا القبيل، أي انتقاد أوروبي من هنا وهناك للانتهاكات الأميركية، فإن ما خلف الكواليس كفيل بجعله هباء منثورا، لأنه ليس إلا للخداع والضخ والاستعراض الإعلامي أمام الشعوب الأوروبية التي عودتها حكوماتها على الصراخ والندب وبكاء التماسيح عند انتهاكات حقوق الانسان التي تناسب وتحاكي استراتيجيتها، وهذا طبعا بعد أن تقوم بقلب الحقائق و تزوير الوقائع والتاريخ بما يناسب سياساتها الإرهابية والاحتلالية كما تفعل في حربها الإرهابية على الشعب السوري، وكما وقفت عاجزة وصامتة امام انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني منذ أكثر من سبعة عقود.
معظم دول العالم، لاسيما حلفاء وشركاء وأتباع الولايات المتحدة سوف تبقى تغمض عينيها عن الإرهاب الأميركي، سواء أكان ذلك بإرادتها أم رغماً عنها ، طالما بقيت مصالح وأهداف تلك الأطراف الاحتلالية والإرهابية واحدة ومشتركة، وهذا بحد ذاته يؤكد دخول العالم عتبات مرحلة جديدة من العلاقات الدولية قد تكون الأخطر على الاطلاق.