ثورة أون لاين – إعداد: غادة سلامة:
ازداد سرطان الاستيطان الإسرائيلي في عهد ترامب، ونشطت عملية بناء المستوطنات على حساب الشعب الفلسطيني، وما كان بإمكان الكيان الإسرائيلي أن يمضي في سياسة الاستيطان إن لم يحظ بدعم كبير من إدارة دونالد ترامب.
لقد حدث هذا كله ومازال يحدث الآن، في موازين قوى ليست في مصلحة هذا الكيان، وذلك على غير ما كان علبه الحال في مرحلة النكبة، أو ما بعدها من مراحل.
ما بين عامي 1918 – 1948، أي مرحلة هجرة اليهود، وحدوث النكبة في 1948، كانت فلسطين تحت الانتداب البريطاني الذي قمع مقاومات الشعب الفلسطيني وثوراته، وجرّده من السلاح، وأمن الهجرة اليهودية في ظل مئة ألف جندي بريطاني، وكبّل الدول العربية بالتجزئة، بعدما قسّمها وسيطر عليها وشلّها شللا كاملاً، فيما اتفقت الدول الكبرى على إقامة إسرائيل ودعمها.
وفي المرحلة الممتدة من عام 1950 إلى عام 1967، كانت إسرائيل تحاول أن تكون الأقوى عسكرياً على كل الجيوش العربية، وبالرغم من انتصارات سياسية حققتها حركة التحرّر العربي ضد الاستعمار القديم، إلا أنّها حوصرت بالهيمنة الأميركية وألاعيبها وعملائها ما كان سببا بانفصال الوحدة بين مصر وسورية.
وشكّلت مرحلة التسعينيات انتكاسة لليسار العالمي بانهيار المعسكر الاشتراكي، كما شكّلت تراجعاً للمقاومة الفلسطينية ولحركة التحرّر العربي.
مع فاتحة العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، تخلخل النظام العربي، بعد احتلال أميركا للعراق عام 2003، ولكن في الآن نفسه انتصرت المقاومة في لبنان بدحر الاحتلال الإسرائيلي عن الجنوب عام 2000، ثم جاء الانتصار لمحور المقاومة في حرب تموز 2006، وتبعه انتصار المقاومة في عدوان 2008 / 2009 على قطاع غزة.
وعلى المستوى العالمي تمكّن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الفترة نفسها من تحويل روسيا إلى دولة عظمى من جديد، فيما قفزت الصين قفزات هائلة في تطوّرها الاقتصادي والعسكري والعلمي والتقني، ما حوّل النظام العالمي، ولاسيما مع أزمة العام 2008 التي أطاحت بالعولمة، إلى حالة متعدّدة القطبية، على حساب ما اعتبره البعض النظام العالمي الأحادي القطبية بزعامة أميركا.
وجاءت العشرية الثانية لتكرّس ما ورثته من العشرية التي سبقتها، لتدفع إلى الأمام، مع نصفها الثاني، موقع إيران كقوة إقليمية وبشهادة دولية، عبر الاتفاق النووي، إلى جانب ما تكرّس من تطويرٍ لقدرات المقاومة الوطنية اللبنانية، وكذلك بالنسبة إلى المقاومة في قطاع غزة، حيث انتصرت في حربي 2012 و 2014، وأصبحت تمتلك صواريخ تصل إلى ما بعد(تل أبيب)، وانطلقت مسيرات العودة الكبرى، وأرسلت طائرات اللهب الورقية، والبالونات، لتحرق حصون المستوطنات من حولها.
وعلى المستوى العالمي، أصبحت روسيا في السنوات الخمس الأخيرة القوة العالمية الكبرى على حساب الولايات المتحدة، وأمّا الصين فراح تطوّرها الاقتصادي يُقارب أميركا من حيث الإنتاج الكلّي، ويتهدّده بالتفوّق عليه قريباً، إلى جانب تقدّم هائل في تكنولوجيا الاتصالات والذكاء الاصطناعي، الأمر الذي جعل نهاية العشرية الثانية تنذر بانتقال الوضع العالمي إلى مواجهة أميركية – صينية مليئة بأشد الأخطار والاحتمالات، وذلك جنباً إلى جنب مع تصاعد المواجهة الأميركية -الإيرانية (ومعها محور المقاومة) إلى مستوى سيقرّر مصير قضية فلسطين، والوضع الإقليمي لعشرات السنين المقبلة.
صحيح أنّ الوضع الراهن راح يفرز ظواهر تبدو متناقضة مع ما حدث من تغيّر نوعي في ميزان القوى عالمياً وإقليمياً، في غير مصلحة أميركا وإسرائيل، ومن هذه الظواهر، التهافت المرضي لبعض الدول العربية على التطبيع مع هذه الاخيرة ومعاداة المقاومة الفلسطينية، إضافة إلى ما يجري من خطوات أميركية – إسرائيلية مثل ضم القدس واعتبارها عاصمة لإسرائيل، تماما كما فعل ترامب واحتفل بإعلان القدس عاصمة لها، ومثل الإجراءات التي تعدّ لضم الأغوار وبعض المستوطنات، أو إعلان ضمّ الجولان، وما يسمى «صفقة القرن»، فهذه الظواهر تعطي صورة للوضع لدى البعض بأنّ القضية الفلسطينية على طريق التصفية، والوضع العام على طريق الانهيار.
ولكن هذه الصورة ظاهرية وخادعة، ولا تعبّر عن ميزان القوى الحقيقي، فما اتّخذ ويُتّخذ من خطوات أميركية إسرائيلية، يتم تحت ما هو قائم من احتلال، ولكنّه قائم على أرجل خشبية، وأنّ موازين القوى التي صنعت النكبة وما بعدها، هي غير موازين القوى الراهنة التي تهبّ رياحها في غير مصلحة صانعي النكبة.
وأظهر تقرير الاستيطان الصادر عن المكتب الوطني للدفاع عن الأرض التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، أن البناء الاستيطاني في محيط مدينة القدس المحتلة وصل منذ فوز دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية إلى مستويات قياسية مقارنة بالأعوام الـ20 الأخيرة، وأشار التقرير إلى أن حكومة الاحتلال الإسرائيلي رفعت من وتيرة البناء الاستيطاني في محيط مدينة القدس المحتلة في عهد إدارة ترمب، وسط تبدل في تعاطي البيت الأبيض سياسيًا مع النشاطات الاستيطانية المخالفة للقوانين الدولية في الضفة الغربية المحتلة، علما بأن الإدارات الأميركية السابقة عكفت على اعتبار الاستيطان عائقًا أمام “عملية السلام” في الشرق الأوسط.
وبين التقرير أن إدارة ترامب غضت الطرف عن النشاط الاستيطاني في الأرض الفلسطينية، وشجعت إسرائيل على بناء المزيد من المستوطنات على حساب الشعب الفلسطيني.
ووفقًا للتقديرات فإن إسرائيل أقامت منذ احتلال مدينة القدس الشرقية عام 1967، عشرات المستوطنات في محيط المدينة، وأقامت فيها أكثر من 55 ألف وحدة استيطانية على أقل تقدير، فيما طرأ خلال الفترة بين العامين 2017 و2018، عقب فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية الأميركية تصاعد هائل في وتيرة البناء الاستيطاني في المدينة المحتلة، حيث تمت المصادقة على بناء 1861 وحدة استيطانية جديدة، بارتفاع يبلغ 58% مقارنة بالعامين 2015 و2016.