ثورة أون لاين _ فؤاد مسعد:
يبقى لفيلم (الهوية) ألقه وحضوره في الذاكرة ، لا بل إنه يحمل طزاجته عبر ما يحمل من طروحات وأفكار تؤكد أن الأرض تلد الأبطال والمناضلين دائماً ، متناولاً حكاية مقاومة وأمل ، ويمكن اعتباره قراءة لتاريخ المنطقة وقصة النضال فيها خلال عشرين سنة (1961 ـ 1981) ، الفيلم الذي يُعرض مع مجموعة أفلام أخرى ضمن مهرجان (مهرجان القنيطرة الثقافي) الذي تقيمه وزارة الثقافة مديرية ثقافة القنيطرة ، من إخراج غسان شميط وتأليف مشترك ، وإنتاج المؤسسة العامة للسينما.
اجتمعت مفاصل الفيلم ودلالاته لتصب في مجراه العام وترسم هويته ، فمهنة البطل (صنع الفخار) من خلالها نتلمس علاقته مع الأرض وبما هو روحي ، ليأتي صوت أغنية (يا ولدي قد مات شهيداً) من المذياع صداحاً يُبشر بالنهاية وممهداً لاستشهاده ، وبالتالي هي صلة روحية التي تربط البطل (شخصية عهد) بالأرض وبالماضي وبتطلعه للمستقبل ، وقد ضم العمل أكثر من مرحلة زمنية ضمن حكاية ولدت من رحم تقاليد وعادات ومعتقدات أهل المنطقة ، اهتم المخرج من خلالها في إبراز الزمان والمكان فلكل زمان حكاياته المرتبطة بالمكان ، وقد تم التأكيد على الهوية السورية لأهل الجولان ورفض الهوية الإسرائيلية وبأن الجولان حي في القلب والوجدان وحاضر في الذاكرة دائماً ، وضمن هذا الإطار تم الربط بين الجولان وفلسطين فكلاهما محتلان من العدو نفسه ولهما المصير المشترك ذاته و تجلى هذا الارتباط الروحي من خلال (عهد) الذي كان يقطن في الجليل بينما تاريخ شخصيته الحقيقية كان في الجولان عبر شخصية (فواز) ،
وهما يكملان بعضهما البعض وكل شخصية تطور الأخرى ، وبين عهد وفواز تقاطعت مجموعة من المفاهيم من أبرزها فكرة الحب والتضحية.
كثيرة هي الأحداث الحقيقية التي رواها الفيلم وتُظهر القهر الذي عاناه الأهالي من المُحتل الاسرائيلي كما نتابع رصد دقيق لتفاصيل الحياة هناك ، ومنها الإعلان عن الوثيقة الوطنية التي صاغها أهل الجولان وفيها تأكيد على عروبة الجولان وبأنه لابد عائد إلى بلده الأم سورية ، وقد حرّمت الوثيقة عليهم استلام الهوية الإسرائيلية ، حتى أن الأهالي جمعوا الهويات التي وزعها عليهم الإسرائيليون وحرقوها وحرقوا معها العلم الإسرائيلي ، ومن تلك الأحداث أيضاً الحصار والخراب الذي جرى مع دخول المُحتلين إلى الجولان ، وحجزهم للشباب ومن ثم الإفراج عنهم بعد تعذيبهم ، ومصادرة القوات الإسرائيلية لأراضٍ فيها مياه ووضعها أجهزة تستجر منها المياه ما يدفع الأهالي لمقاومة قرار المصادرة.
بدا الحرص على نقل مفردات البيئة والغوص في تفاصيلها أمراً محورياً في الفيلم ، حتى أن الموسيقا التصويرية التي خيّمت على الأحداث واعتمدت على صوت الناي الحزين ما لبثت أن تحولت إلى تيمة رافقت مختلف الأحداث ومصائر الشخصيات وأفعالها وهي موسيقا نابعة من تراث المنطقة نفسه ، وكان المكان أحد الأبطال الرئيسيين في العمل وأعطاه المخرج أهمية كبيرة ، ومنه جاء الموال الجولاني (ياعيني ما أحلى الصيف بالجولان العالي عنا الصيف وعنا الكيف وسهران الليالي ..) ، وقد منح هذا الغنى في التفاصيل المرتبطة بالبيئة ميزة خاصة إضافية للفيلم الذي حمل رسالة إنسانية غاية في الأهمية والعمق.