الثورة – عبير علي:
أقيمت في صالة المركز الثقافي في العدوي- تحت رعاية وزارة الثقافة وبالتعاون مع مديرية ثقافة دمشق- محاضرة تراثية بعنوان “توظيف التراث في التربية” ألقتها الدكتورة والباحثة في التراث الفلسطيني الدكتورة نجلاء الخضراء.
والتي بدأتها بتعريف التراث الشّعبي بأنه انعكاس للعمل البشري في ميادين الفكر والعلم والأدب ومجموعة الآثار المادية والفكرية التي خلفها أسلافنا في الحياة وأنماط معيشتهم من قيم وعادات وآمال، والتي تشكّل روح الجماعة وماهيّتها وهويّتها، وأن التراث الثّقافي هو هويّة الأمّة وانعكاس لامتدادها التاريخي والحضاري وضامن لبقائها واستمراريّتها.. وفي ظل دخول العولمة الثقافية التي اجتاحت الثقافة المحليّة العربية، وأصبحت خطراً على الهوية العربية والموروث الثقافي.
أكدت الخضراء على ضرورة نقل هذا التراث للأطفال بطرق تربوية مختلفة، منها تدعيم عناصر التراث ضمن المنظومة التربوية سواء تعليمية أم ترفيهية أم مجتمعية، وتوظيف التراث في التربية من خلال تربية الطفل بأسلوب صحيح ومتطوّر يتناسب مع فطرة أطفالنا ومجتمعاتنا وحياتنا العصرية الحديثة.
ومن خلال إيجاد مبدع حقيقي يستطيع أن يختار من التراث ما يتناسب مع عقل الطفل المتلقي، ويقدّمه له بطريقة فيها المتعة والتشويق، وبأسلوب عصري يتناسب مع الوقت الراهن، باستخدام الجماليات البصرية التي تجذب الطفل، والتأصيل المنهجي لمضامين التراث، عندها تتحقق معادلة مزج الأصالة بالمعاصرة.
وأشارت إلى أن التأصيل يعالج أزمتي التبعية والاستلاب التي تعرض لها الشعب العربي منذ قرون الاحتلال والغزو الفكري مروراً بأفكار الحداثة ووصولاً إلى العولمة وما بعدها، ويكمن التأصيل التحليلي لاتجاهات الفكر التربوي من خلال رد الفكرة التراثية إلى جذورها التاريخيّة والحضاريّة، والتأصيل اللغوي للمفاهيم، وذلك بالرجوع إلى الدلالات اللغويّة والمصطلحات والمفاهيم العربيّة السائدة في العصور القديمة، ونقد الموروث وعدم التسليم بكل ما جاء فيه من أجل الوصول للحقيقة التربويّة، بالإضافة لتوضيح الجوانب الفكريّة ومدى ارتباطها بالحياة الاجتماعيّة وتحييد الأفكار السلبيّة وعدم تناقلها عبر الأجيال القادمة.
ونوّهت الخضراء بأنه لتحقيق فكرة توظيف التراث في التربية يجب فهم الحاضر التربوي بقضاياه ومشكلاته، مع مراعاة مقدار التطور الاجتماعي وتطور البحث العلمي، وما وصل إليه من نتائج في مجالات التربية وعلم النفس.
ومن جهة أخرى أكدت على ضرورة نقل بعض عناصر التراث اللا مادي للأطفال بأساليب مبسطة قريبة، منها الأدب والشعر، القصة والسّير التاريخية، فنون الغناء والرقص، الزيّ الشعبي واللوحات التصويرية والألعاب الشعبية.
ومن العناصر التراثية والتربية، الحكاية الشعبية: فهي تشتمل على الحكمة والدروس الأخلاقية، ومنها حكايات الحيوانات “كليلة ودمنة”، التي تحمل قيماً وفكراً وطرافة، حكايات” الخوارق “التي تجذب الأطفال لما يجدون فيها من تعبير عن طموحاتهم وأحلامهم وتلعب دوراً فاعلاً في إثارة ما يختزن في عقولهم، مثل قصص علاء الدين وعلي بابا والسندباد.
ونوهت بضرورة توخي الحذر والانتباه من القصص التي تحمل الرعب والإرهاب للطفل الذي يهدد أمنه الداخلي ويضعف نفسيته في مواجهة الأحداث.
أما الشعر والأغاني الشعبية التي خاطبت الطفل منذ أن كان صغيراً، فتراوحت الأنغام من الهادئة عند النوم إلى الأنغام المتواترة السريعة في أوقات اللعب والطعام، وبعضها تضمن كلمات الحب طالبة بها تهدئة نفس الطفل وراحته: “نام ياامّا نام تاجبلك طير الحمام”.
ولفتت الدكتورة الخضراء إلى أن الأغاني العربية تميزت بعدة مميزات من شأنها صقل شخصية الطفل ودعم ثقافته وإعطائه الثقة بالنفس والقوة “ياولد لفلك شال واتعلم شغل الرجال”، من أهم تلك القوالب الموسيقية، الميجانا والعتابا والدلعونا والجفرا.. وهناك أناشيد حملت مضامين المقاومة وحملت نصوصاً مستحدثة عبرت عن الشعور الفلسطيني تجاه مرحلة الاحتلال وأصبحت تغنى في المناسبات:
زينوا المرجة والمرجة لينا
من سجن عكا طلعت جنازة محمد جمجوم وفؤاد حجازي
جازي عليهم يا شعب جازي المندوب السامي وربعه عموماً
يما مويل الهوا يما موليا ضرب الخناجر ولا حكم الندل بيا
يا ظريف الطول وقف تا قلك رايح عالغربة وبلادك أحسن لك
“ألف بي بوباية قلم رصاص ومحاية”.
صاحبت تلك الأناشيد المغناة الموسيقا وحركات راقصة محترفة تسمى الرقصات الشعبيّة أو الدبكة، وهي جزء لا يتجزأ من الأغنية الشعبيّة بدأت معها منذ غابر الأزمان وأسهمت معها في الإشارة إلى أصالة الشّعب الفلسطيني وتجذره بأرضه.
وتطرقت إلى الحرف الشعبية والفنون التطبيقية، منها: الصناعات الخشبية والمعدنية، وصناعة الحلي، صناعة الخزف والفخار، الصابون والصدف والشمع، والفسيفساء وبناء السفن والعمارة وفنونها والصناعات الجلدية والصناعات الغذائية.. الخ، وتستكمل عملية التصنيع بالفنون التطبيقية التي تطبق على المنتج أياً كان بناء أو قطعة من المعادن (نحاس- ذهب- فضة) أو قطعة فخارية أو خزفية أو ط خشبية.
وأشارت الخضراء إلى ضرورة أن يتعرف الطفل على الحرف اليدوية التقليدية وذلك بتجسيدها أمامه على أرض الواقع من خلال زيارة المواقع الحرفية والفعاليات والمعارض التراثية.
إذ من شأن تلك الحرف والفنون تعريف الطفل بخامات وطنه والمراحل التي مرت بها الخامة حتى وصلت لشكلها الفني الجميل والمميز، فهي توسع مدارك الطفل وتفتح له آفاق الإبداع والتميز، كما أكدت على أهمية ممارسة الحرف التقليدية البسيطة والفنون كالرسم والخط والعزف على الآلات الموسيقية التراثية فهي تعزز الإبداع وتثير المشاعر وترتقي بإحساس الطفل وتطلق العنان للهوايات الجديدة وتحفز على الإبداع والأداء الأفضل.
وذكرت من تلك الوسائل إعداد الولائم، ورواية القصص، والمسارح التراثية، ومسارح الدمى، والأغاني الشعبية، وإمكانية إدخال المبارزة والرماية التي اعتبرت من أهم الرياضات في تراثنا العربي، والسباحة، وركوب الخيل، وصيد السمك، وما يتبعها من صناعة الشباك، وركوب القوارب ..الخ، وممارسة الألعاب التراثية القديمة.
بالإضافة الى تعلم بعض الحرف التقليدية البسيطة كالفخار وتركيب الفسيفساء وأعمال القش…الخ والرسم والخط العربي، والمشاركة بالنشاطات والمهرجانات والمسابقات التراثية التي تكسب الطفل مشاعر الاعتزاز بالهوية والانتماء والفخر بالتاريخ العربي وأصالته وتجذره.
3-مسرح الطفل التراثي: إذا اعتبرت الدكتورة الخضراء أن مسرح الأطفال التراثي واحداً من الوسائل التربوية والتعليمية التي تسهم في تنمية الطفل تنمية عقلية وفكرية واجتماعية ونفسية وعلمية ولغوية وجسمية، وخاصة أن هناك ارتباطاً قوياً بين الطفل والدمية من جهة وبين الطفل والتمثيل من جهة ثانية منذ سنوات عمره الأولى، ونوهت الخضراء بأن الثقافة العامة للطفل تنمو من خلال ممارسة النشاط المسرحي، وتزداد خبرات الأطفال ومعلوماتهم عن الأنشطة المختلفة التي تمارس من خلاله، فهي تزيد من الحصيلة اللغوية وتنمي ملكة التذوق الأدبي وتزيد المعارف الفنية، سواء كانت معارف الرسم والمناظر أم قواعد الإخراج البسيطة أو صناعة الدمى وإدارة المسرح واستخدام الموسيقا والملابس وغير ذلك.
وختمت بالقول :”ما يميّز المسرح التعليمي هو مزاوجته بين الهدف التربوي والتعليمي، مما يجعله في العديد من المؤسسات التعليمية أحد أهم الأساليب المنتهجة في مسار العملية التعليمية والتربوية”.
وفي تصريح للثورة بينت الدكتورة أن المحاضرة موجهة للتربويين، وهي تحمل أفكاراً عن تدعيم المناهج بالعناصر التراثية، وكيفية استثمار العطلة الصيفية واستغلالها بتعريف الجيل الجديد على التراث وأساليب نقله لهم.
وأضافت أعتقد أن هذا الوقت مناسب، ليبدأ التربوي التفكير والعمل على هذا الأسلوب، ووضع خطة منهجية أكاديمية وتجريبها في فصل الصيف ضمن المراكز الثقافية، ونشاطاتها من أجل الحصول على خطة كاملة مجربة خالية من الأخطاء والعثرات.