الثورة – همسة زغيب:
نظّم منتدى محمود درويش الثقافي أمسية عنوانها “ريشة ووتر” ثقافية ووطنية وإنسانية مفتوحة على الفنون والآداب الشعرية والقصصية والتشكيلية والموسيقية الفلسطينية والعربية، شارك فيها الشاعر أحمد دخيل والفنانون التشكيليون الفلسطينيون محمد عبد الله، إلهام موسى، ماريا عامر إضافة إلى الفنان الموسيقي يوسف العاص، رسموا في جو تفاعلي أثناء فعاليات الأمسية لوحات “بورتريه” للشاعر محمود درويش في مخيم جرمانا.
بدأت الأمسية بالكلمة لأنَّها صارت لوناً وريشةً صوتاً ووتراً، وجمعت الفنون كلها، إذ قدّم للمشهد الثقافي ثلة من المبدعين، كي تربطهم بأمهم فلسطين سمّوها الأغنية الملتزمة أو الوطنية، لكن في الحالتين كانت تعبّر عن قضايا شعب وتاريخه ونضاله من أجل الحرية والكرامة والاستقلال، حمل وترها وعلا صوتها الكثيرُ من شعراء وملحنين كتبوا وغنوا “ظريف الطول والدلعونا وجفرا”، ولم تغب عنهم كل المدن والبلدات والمدن والقرى الفلسطينية.
الشاعر أحمد دخيل أشار إلى أنَّ المسافة المفتوحة بين الكلمة ومعناها يجد لنفسه ولقصيدته مكاناً مختلفاً في دلالته وهويته، ويجتهد ما استطاع منذ البواكير الأولى ليؤسّس لصوت شعري بإيقاع متجذّر بالأصالة والاتكاء على الإرث الشعري العربي عامة والفلسطيني خاصة، مع نزوع مدروس نحو الحداثة، وبدا واضحاً في ديوانه الأول “ملح لهذا البحر” كونه تريث كثيراً وتمهل في إصداره حتى اكتمل عام 2021. ولفت الشاعر أحمد دخيل إلى أنَّه في مخيم جرمانا ودرس في مدارسها، وكان من الأركان الثقافية المهمّة في المخيم، ففي تسعينيات القرن الماضي سطر أولى حروفه وقصائده مازجة بين الفصحى والمحكيّة الغنائيّة المتواصلة حتى اليوم، وتصدّت لإنتاج بعضها كبرى الفرق الفنية الفلسطينية كونها غنّت الأغنيات الوطنية الملتزمة، حاز على جائزة القدس للإبداع الثقافي عن قصيدة “خذني يا فارس العودة”، زار فلسطين المحتلة أكثر من مرة في العودة المؤقتة وألقى قصائده هناك في عدد من مراكزها الثقافية. أمَّا الفنانتين التشكيليتين إلهام موسى، ماريا عامر لكل منهما تجربتها المتفردة والمتميزة، يدرسان الفن أكاديمياً، ما يبشّر بموهبتين قادمتين بقوة إلى المشهد التشكيلي الفلسطيني. الفنانة إلهام نور الدين موسى درست فن التصميم الإعلاني، وتعمل حالياً معلمة روضة، وانضمت لرابطة الفنانين التشكيليين في المخيم، وللاتحاد العام للفنانين التشكيليين الفلسطينيين، وشاركت في أكثر من معرض فيه وغيره من الصالات والمراكز الثقافية في سوريا.
بينما ماريا محمد عامر فتدرجت في موهبتها منذ الصغر، وعملت على تطويرها من خلال ممارسة الرسم بمختلف أنواعه وألوانه والمشاركة بالمعارض المدرسية، وحالياً طالبة في كلية الفنون الجميلة، شاركت في عدد من المعارض نذكر منها: “يوم الأرض، ذكرى النكبة 77، من نافذة دمشق تشرق القدس، أيام الفن الفلسطيني”، وانضمت قبل فترة لرابطة الفنانين التشكيليين بمخيم جرمانا. ولدى الوقوف عند لوحة الفنان التشكيلي محمود عبد الله نكتشف عمق المحمول البصري والدلالي والرمزي، ومدى الدقة في توزيع الألوان وظلالها ودرجاتها على السطح القماشي، حتى تبدو الفطرية اندغمت وتماهت مع الاحترافيّة المبنيّة في تجربته على أكثر من 40 عاماً من الاشتغال والبحث عن تشكيلٍ ورسمٍ لا يشبه إلا نفسه، ويكتسب في الوقت نفسه من القضية الفلسطينية وتراجيدياً الشعب المقتلع من أرضه بعض تجلياته وملامحه.
لكنَّ محمود عبد الله المولود في مخيم خان دنون عام 1961 وعاش السنوات الأكثر من حياته في مخيم جرمانا يكاد لا يغادر ذكريات قريته الصالحية قضاء صفد، بل ستلمح أنَّ ثمة حضوراً للبيوت الفلسطينية المتراصة بنوافذها، وأبوابها وقبابها، والمدى المتسع لمكان هُجّرَ أهله منه وبات فردوساً مفقوداً، كما لا تغيبُ المرأة الفلسطينية بزيها التراثي وعادات وتقاليد وسمت حياتها، مع مسحة فرح أو أمل أو حزن أو عيون حائرة يمكن قراءتها في أكثر من تأويل، من دون أن ننسى رمزية الكوفية أو الناي.. وسواهما، وتعدّ لوحته الجدارية عن مدينة القدس من أجمل اللوحات في التشكيل الفلسطيني المعاصر.
أما الأثر الأهم في تجربة الفنان محمود عبد الله تأسيس رابطة الفنانين التشكيليين في مخيم جرمانا وضمّت عشرات الفنانين والفنانات الشباب ممن أنجز معهم ورشات شاركوا بعدها في معارض جماعية في سوريا وخارجها مع كبار الفنانين المحترفين.