ثورة أون لاين – عبد الحليم سعود:
رغم الضجة العالمية غير المسبوقة ،والاستنفار الدولي الكبير اللذين شهدناهما في الأشهر الماضية بسبب انتشار فايروس كورونا المستجد ــ كوفيد 19 ــ لجهة التحذيرات من خطورة الفايروس على الصحة العامة، وتطبيق معظم دول العالم الحظر شبه التام على مواطنيها لحمايتهم منه، والحجر على المصابين للحيلولة دون انتقال العدوى للآخرين، إلا أن كل هذه الإجراءات الاحترازية لم تحل دون توسع خارطة انتشار الفايروس لتقترب من حاجز التسعة ملايين إصابة (8627430) وتسجيل (459939) حالة وفاة كان للولايات المتحدة الأميركية ودول أخرى مثل البرازيل وروسيا والهند وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا النصيب الأكبر منها، ولعل ما زاد الطين بلة ورفع درجة القلق مؤخراً هو تحذير منظمة الصحة العالمية من أن المرحلة الأخطر من انتشار الفايروس لم تبدأ بعد، وهو أمر يمكن الوثوق به استنادا إلى الأرقام المسجلة كل يوم، حيث مازالت في ارتفاع مطرد بدل أن تنخفض أو تقف عند حد معين، ما يستدعي فعلاً توخي أعلى درجات الوقاية والحذر.
ما يلفت النظر في الإحصائيات المرتبطة بخارطة انتشار الفايروس هو أن الصين وهي الدولة الأكثر سكاناً “مليار ونصف مليون نسمة” والتي شهدت أول بؤرة للفايروس قبل أن يتفشى عالميا قد استطاعت الحد من انتشار الفايروس على أراضيها على نطاق واسع، قياساً بدول أخرى متقدمة علميا وطبيا كالولايات المتحدة ودول أوروبا، ما يؤكد مرة جديدة أن الجدية والحزم في التزام تطبيق إجراءات الوقاية والحجر والوعي التام لمخاطر الفايروس كان لهما دور بارز في الحد منه، في حين أن الدول التي تلكأت في حماية مواطنيها دفعت وما زالت تدفع أثماناً باهظة، إلا هناك أسباب أخرى يمكن أن تكون مسؤولة عن الزيادة الملحوظة في عدد الإصابات والوفيات لا تنفصل حكماً عن السياسة والاقتصاد، لا بل يمكن القول أن السياسة هي من أبرز الأسباب، فالسياسة العدوانية التي تنتهجها الولايات المتحدة (مثلا) على الساحة العالمية وتعاطيها بفوقية وعنصرية مع الدول الأخرى، وعدم تعاونها مع المنظمات والمؤسسات الدولية المنخرطة في العمل الصحي والإنساني، قد يكلف البشرية المزيد من الضحايا الأبرياء ليس فقط بسبب الفايروس القاتل وإنما بسبب الفقر والجوع ،ولاسيما أن إدارة ترامب تطبق حالياً إجراءات عقابية قاسية وسياسة حصار اقتصادي ظالمة (إرهاب اقتصادي)، لا تستثني حتى الجانب الصحي، بما في ذلك عقاقير الأدوية المساعدة على الشفاء ومحاصرة تداعيات الوباء، ضد العديد من الدول التي تناهض سياساتها العدوانية.
فالولايات المتحدة لم تتصرف كدولة (عظمى) كما تسمي نفسها مسؤولة عن سلامة الإنسانية بحيث تجنّد إمكاناتها الاقتصادية الضخمة ــ المسروقة والمنهوبة بمعظمها من جيوب بقية شعوب العالم ــ لمساعدة المنظمات الدولية ذات الشأن، بل تصرفت عكس ذلك تماماً، بحيث تخلّت عن التزاماتها المالية في منظمة الصحة العالمية واتهمتها بالانحياز للصين ودول أخرى تواجه الوباء، وحرمتها من تمويل كبير كان من الممكن أن يساهم في زيادة قدرة الكثير من الدول الفقيرة على تخطي مشكلاتها الغذائية والصحية ،ويخفف عنها عبء إجراءات الحظر التي كلفت ميزانيتها مبالغ ضخمة وهي بأمس الحاجة لها، كما يحدث اليوم في سورية التي عانت من حرب إرهابية طويلة ألقت بظلالها السوداء على الواقع الاقتصادي والمعيشي للسكان، ليأتي بعدها ما يسمى بقانون “قيصر” الأميركي ليزيد من أعباء الدولة السورية وهي تحاول حماية مواطنيها من أخطار الفايروس القاتل.
غير أن السلوك الأميركي العدواني ضد سورية ودول أخرى مثل إيران وفنزويلا وروسيا وكوريا الديمقراطية والصين، لم تنحصر تأثيراته السلبية على مواطني هذه الدول بل طالت المواطن الأميركي نفسه، بسبب الجريمة العنصرية التي ارتكبتها الشرطة الأميركية ضد مواطن من أصول أفريقية وكانت سبباً في احتجاجات ضخمة ضد التمييز العنصري سواء في الولايات المتحدة أو خارجها وهو ما أسهم بتوسيع رقعة الإصابة بالفايروس عالمياً بدل أن يتقلص منسوبها، كما أن التصريحات والتغريدات التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بخصوص مواجهة الفايروس إما عن جهل أو عن قصد قد أربكت الأميركيين وغيرهم رغم قيام متخصصين أميركيين بدحض مزاعم ترامب ومحاولة تصحيح المعلومات الصادرة عنه، والتي وصفت بالسخيفة والمضحكة.
في العموم لم تتعاون دول العالم بالشكل المناسب لدرء مخاطر الفايروس الذي راح يوسع رقعة انتشاره غير آبه بالحدود، بل تركت الكثير من الدول تواجه مشكلاتها مع الفايروس لوحدها، وهو ما دفع منظمة الصحة العالمية لدق ناقوس الخطر مرة أخرى، وليس هذا فحسب بل إن العديد من بؤر الصراع العسكري تم تأجيجها قصداً كما يجري في اليمن وليبيا وهناك بؤر أخرى يجري التمهيد لها، بحيث تراجع الاهتمام بالوباء إلى مركز متأخر وهذا ما قد يكلف البشرية أثمانا باهظة