اللامساواة المنهجية العنصرية في الغرب

 

الملحق الثقافي:حاتم حميد محسن:

وُجدت العنصرية في الولايات المتحدة منذ العصر الكولونيالي، عندما مُنح الأمريكيون البيض وبشكل قانوني حقوقاً وامتيازات لم تُمنح للأقليات والأجناس الأخرى. الأمريكيون الأوروبيون وخاصة البروتستانت الأنكلوسكسونيين البيض تمتعوا بامتيازات حصرية في مسائل التعليم والهجرة وحق التصويت والمواطنة وامتلاك الأراضي والإجراءات الجنائية طوال التاريخ الأمريكي. أما المهاجرون من غير البروتستانت من أوروبا وخصوصاً الإيرلنديين والإيطاليين كانوا في أمريكا عرضة للتمييز العنصري المرتكز على الاثنية، حتى أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. كذلك بالنسبة إلى جماعات مثل العرب الذين واجهوا تمييزاً مستمراً، وبالنتيجة فإن أكثر الناس الذين ينتمون إلى هذه الجماعات لم يُصنفوا كبيض. الأمريكيون الأفريقيون واجهوا قيوداً على حرياتهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية طوال التاريخ الأمريكي. أما الأمريكيون الأصليون فقد واجهوا تطهيراً عرقياً، واُجبروا على الرحيل وتحمّل المجازر والتمييز. كذلك الأمريكيون الإسبان شهدوا تمييزاً عرقياً مستمراً، ونفس الشيء ينطبق على الجماعات من جنوب وجنوب شرق وشرق آسيا.
مارست المؤسسات المتأسسة اثنياً وعرقياً التطهير العرقي والعبودية والفصل العنصري وتخصيص أماكن خاصة للأمريكيين الأصليين والهجرة وقوانين اكتساب الجنسية. لقد جرى تحريم التمييز العرقي الرسمي في أواسط القرن العشرين، وبمرور الوقت جرى اعتباره غير مقبول اجتماعياً وأخلاقياً. لكن السياسات العرقية بقيت تمثل الظاهرة الرئيسية، واستمرت الحالة العرقية متجسدة في اللامساواة السوسيواقتصادية. تشير البحوث إلى وجود دليل واسع للتمييز العنصري في مختلف قطاعات المجتمع الأمريكي الحديث بما في ذلك العدالة الجنائية والأعمال والاقتصاد والإسكان والرعاية الصحية والميديا. وحسب رؤية الامم المتحدة وشبكة حقوق الإنسان الأمريكية، فإن “التمييز في الولايات المتحدة تغلغل في جميع مظاهر الحياة وامتد إلى جميع الأقليات”.
بعض الأمريكيين نظروا إلى باراك أوباما الذي عمل كرئيس للولايات المتحدة من سنة 2009 إلى 2017 والذي كان أول رئيس أسود، كعلامة على أن الأمة دخلت عصراً جديداً لما بعد العنصرية. انتخابات ترامب عام 2016 الذي شن حملة عنصرية ضد أوباما مؤيداً الحركة التي ادّعت زيفاً أن أوباما وُلد خارج الولايات المتحدة، نظر إليها بعض المعلقين كرد فعل عنصري ضد انتخاب أوباما. وفي العقد الأول من القرن الحالي، استمر المجتمع الأمريكي يشهد مستوى عالياً من العنصرية والتمييز. إحدى الظواهر الجديدة كانت ظهور “حركة اليمين البديل”، وهي عبارة عن تحالف للوطنيين البيض يسعى لطرد الاثنيات العرقية من الولايات المتحدة. في أغسطس 2017 حضرت هذه الجماعات تجمعاً في مدينة فرجينيا، قُصد به توحيد مختلف الجماعات البيضاء. وفي أثناء التجمع قاد أحد المتظاهرين العنصريين سيارته نحو جماعة من المحتجين المعارضين فقتل شخصاً وجرح 19 آخرين.
مفهوم العرقية Racism
العرقية هي شكل منظّم من الاضطهاد تطوّر لدى أعضاء عرق واحد لكي يضطهدوا أعضاء عرق آخر. المواقف المؤذية وُجدت بين الأعراق منذ الآف السنين، لكن القمع العرقي المنظم ظهر أول مرة بعد عام 1600 جنباً إلى جنب مع الرأسمالية. قبل هذه الفترة، لم توجد العنصرية في العديد من الثقافات، حيث كان العبيد عادة يؤخذون كنتيجة للمعارك العسكرية. ولكن عندما اكتشف التجار الأوروبيون أن تفوقهم التكنولوجي منحهم مزايا هائلة في أفريقيا، بما في ذلك سفنهم المبحرة وأسلحتهم النارية، هم بدؤوا بتبرير ممارسة العبودية بإقناع أنفسهم أنه قبل الإمساك بعبيدهم الأفريقيين واستعبادهم، لم يكن لدى هؤلاء العبيد ثقافة سابقة وعاشوا كالهمج الرعاع، وهو افتراض زائف كلياً. الأمريكيون الأوروبيون البيض الذين شاركوا في صناعة العبيد حاولوا تبرير استغلالهم الاقتصادي للناس السود عبر خلق نظرية “علمية” لتفوّق البيض وضآلة مكانة السود. أحد مالكي العبيد (توماس جيفرسون) دعا إلى إيجاد علم لتقرير “الدونية” الواضحة للسود، وهو ما اعتُبر مرحلة هامة في تطور العنصرية العلمية، وكانت هذه بداية العنصرية المنظمة في الولايات المتحدة.
تجارة العبيد
بين عام 1525-1866 كان هناك ما يقارب 12 مليون ونصف إنسان اختُطفوا من أفريقيا واُرسلوا إلى أمريكا عبر تجارة العبيد الأطلسية. عند الوصول إلى الأرض الجديدة، جرى استعباد 3.9 مليون شخص من بين الـ 10.7 مليون الذين نجوا من رحلة مروعة دامت شهرين. الكيفية التي يتذكر بها المجتمع الأمريكي رعب العبودية تُعتبر هامة. ولكن كما تشير آخر الدراسات فإن العديد من المناهج الدراسية تقدّم رؤية ناصعة لهذا التاريخ مركزة فقط على القصص الإيجابية حول قادة السود مثل Harriet Tubman و Frederick Douglass.
كان لتجارة العبيد الأطلسية أساساً اقتصادياً. كانت التجارية mercantilism هي الأيديولوجيا المسيطرة بين النخب الأوروبية الذين أسسوا سياسة وطنية طوال عصر تجارة العبيد الأطلسية، وهي أيديولوجيا تقوم على الإيمان بأن السياسة الوطنية يجب أن ترتكز على تكديس القوة العسكرية والثروة الاقتصادية. كانت المستوطنات مصدراً للثروة المعدنية والغلات الزراعية التي يجب أن تُستعمل لمصلحة المستوطن. إن استخدام الأوروبيين كعمال في المستوطنات كان أمراً بالغ الثمن ولا يمكن إدامته، بالإضافة إلى تأثيره الضار على عرض العمل المحلي للدول المستوطنة. بدلاً من ذلك، استوردت المستوطنات عبيداً أفريقيين كانوا متوفرين بكميات كبيرة وبأسعار رخيصة جعلت الزراعة في أمريكا مربحة.
وإلى جانب الحوافز الاقتصادية المؤطرة للعبودية في أمريكا، كانت ثقافة العالم الأوروبي قد لعبت دوراً كبيراً في استعباد الأفريقيين. كانت الرؤية نحو الأوروبيين تصفهم كجماعة للسلوك الإنساني شملت كل شبه القارة. بينما الثقافات الأمريكية الهندية والأفريقية كان لها تعريف أكثر محلية لـ”الداخلي”insider . وبينما لا وجود لثقافة فيها تفوق متأصل، لكن التقدم التكنولوجي الأوروبي أصبح مصدراً لنشر الاعتقاد الذي أكّد رؤيتهم بأن غير الأوربيين يمكن استعبادهم. ومع القدرة على نشر تجسيداتهم الفكرية للعالم، استطاع الأوروبيون فرض عقد اجتماعي في القرن الثامن عشر قاد إلى حركة إنهاء العبودية abolitionism، لكن الدعوة إلى إزالة الحواجز كانت عملية بطيئة جداً، ولم تُستكمل حتى اليوم.
قبل الحرب الأهلية، كان هناك ثمانية رؤساء يمتلكون عبيداً، وهي الممارسة التي نالت الحماية من جانب الدستور الأمريكي. هؤلاء العبيد يوفرون الثروة للنخبة البيضاء، حيث كانت هناك تقريباً واحدة من بين أربع عوائل جنوبية تمتلك عبيداً قبل الحرب الاهلية. وطبقاً لتعداد السكان في أمريكا عام 1860 كان هناك حوالي 385 ألف مالك عبيد من بين السكان البيض الذين يُقدر عددهم بـ 7 مليون شخص.
اللامساواة المنهجية
لقد ترسّخ التفاوت العرقي والاقتصادي والتعليمي عميقاً في المؤسسات الأمريكية. ورغم أن إعلان الاستقلال يشير إلى أن “كل الناس خلقوا متساويين”، لكن الديمقراطية الأمريكية همشت تاريخياً جماعات معينة. “الديمقراطية تعني كل شخص يستطيع المشاركة، إنها تعني أنت تشترك بالسلطة مع أناس لا تعرفهم ولا تفهمهم وربما لا تحبهم”، كما ذكر Harry Rubenstein من المتحف الوطني للتاريخ الأمريكي في عام 2017.
تبرير العبودية في الولايات المتحدة
في الولايات المتحدة بررت العنصرية العلمية استعباد الأفارقة السود لتهدئة المعارضة الأخلاقية لتجارة العبيد الأطلسية. Alexander Thomas و Samuell sillen وصفا السود باعتبارهم يتناسبون بشكل خاص مع العبودية بسبب “تنظيمهم السيكولوجي البدائي”. وفي عام 1851، في لويزينا كتب الفيزيائي Samuel A.cartwright (1793-1863) “بأن محاولة العبيد للفرار هي مرض نفسي قابل للعلاج، فلو جرى اتّباع نصيحة طبية ملائمة بصرامة، فإن هذا السلوك الذي مارسه العديد من الزنوج بالهروب يمكن منعه تماماً”. مصطلح “هروب العبيد” drapetomania اشتُق من الكلمة اليولنية drapetes. التعداد السكاني للولايات المتحدة لعام 1840 أشار إلى أن العبيد المتحررين في الشمال عانوا من مرض نفسي بنسبة أعلى من أقرانهم العبيد في الجنوب.
في الوقت الذي كانت فيه أمريكا في أتون حرب أهلية (1861-1865)، حفزت مسألة اختلاط الأجناس على دراسة الاختلافات السيكولوجية الواضحة بين القوقازيين والزنوج. الأنثربولوجيون الأوائل مثل Josiah clark و George Robins و Robert knox، سعوا إلى إثبات علمي بأن الزنج هم نوع إنساني مختلف عن الإنسان الأبيض، وأن حكام مصر القدماء لم يكونوا أفريقيين، وأن الذرية المختلطة (نتاج الزواج المختلط) تميل لإبداء ضعف فيزيقي وعقم. وبعد الحرب الأهلية، كتب الفيزيائيان الجنوبيان مناهج دراسية عن العنصرية العلمية مرتكزة على دراسات تدّعي أن السود المتحررين سيصبحون منقرضين لأنهم ليس لديهم ما يكفي لمتطلبات الناس المتحررين، بما يعني أن الناس السود استفادوا من العبودية.
وفي التمييز العنصري الطبي، لاحظ Harriet A. Washington وجود رؤيتين مختلفتين عن السود في القرن التاسع عشر: الإيمان بأنهم كانوا في مرتبة دنيا و”مليئين بالنقص من الرأس إلى القدم”، وفكرة أنهم لا يعرفون الألم الحقيقي والمعاناة بسبب جهازهم العصبي البدائي (وأن العبودية لذلك كانت مبررة).
لاحظ واشنطن أنه “في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، كانت العنصرية العلمية هي السائدة وجرى تبنّيها من أرقى العقول في الأمة. نظريات طبية منطقية أخرى أكّدت على مساواة الأفريقيين ووضعت صحة السود المتدهورة على مسؤولية مالكيهم، لكن هذه لم تنل قبول الفلسفة الطبية التي بررت العبودية، باعتبارها الطريقة المربحة للأمة في الحياة. وحتى بعد نهاية الحرب الأهلية، استمر بعض العلماء في تبرير مؤسسة العبيد بالإشارة إلى تأثير التضاريس والمناخ على تطور العنصرية. Nathaniel shaler، الجيولوجي البارز في جامعة هارفرد من 1869-1906 نشر كتاباً بعنوان (الإنسان والأرض) عام 1905 وصف فيه الجغرافيا الفيزيائية لمختلف القارات وربط هذه البيئات الجيولوجية بالذكاء وقوة الأعراق الإنسانية التي سكنت هذه الأماكن. جادل شيلر أن مناخ أمريكا الشمالية والجيولوجيا كانا مناسبين جداً لمؤسسة العبيد.
استمرت العنصرية العلمية في بدايات القرن العشرين وحالاً اصبحت اختبارات الذكاء مصدراً جديداً للمقارنات العرقية. قبل الحرب العالمية الثانية (1993-1945)، بقيت العنصرية العلمية شائعة في الأنثربولوجي، واستُعملت كتبرير لبرامج تحسين النسل ومنع الإنجاب الإجباري وقوانين ضد الزواج المختلط وقيود الهجرة في أوروبا والولايات المتحدة. جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية لألمانيا النازية لم تعترف بالعنصرية العلمية في المجال الأكاديمي، لكن القوانين العنصرية المرتكزة عليها بقيت في بعض الدول حتى أواخر الستينات.

التاريخ: الثلاثاء23-6-2020

رقم العدد :1003

 

 

آخر الأخبار
وزير السياحة من اللاذقية: معالجة المشاريع المتعثرة والتوسع بالسياحة الشعبية وزارة الثقافة تطلق احتفالية " الثقافة رسالة حياة" "لأجل دمشق نتحاور".. المشاركون: الاستمرار بمصور "ايكو شار" يفقد دمشق حيويتها واستدامتها 10 أيام لتأهيل قوس باب شرقي في دمشق القديمة قبل الأعياد غياب البيانات يهدد مستقبل المشاريع الصغيرة في سورية للمرة الأولى.. الدين الحكومي الأمريكي يصل إلى مستوى قياسي جديد إعلام العدو: نتنياهو مسؤول عن إحباط اتفاقات تبادل الأسرى إطار جامع تكفله الإستراتيجية الوطنية لدعم وتنمية المشاريع "متناهية الصِغَر والصغيرة" طلبتنا العائدون من لبنان يناشدون التربية لحل مشكلتهم مع موقع الوزارة الإلكتروني عناوين الصحف العالمية 24/11/2024 رئاسة مجلس الوزراء توافق على عدد من توصيات اللجنة الاقتصادية لمشاريع بعدد من ‏القطاعات الوزير صباغ يلتقي بيدرسون مؤسسات التمويل الأصغر في دائرة الضوء ومقترح لإحداث صندوق وطني لتمويلها في مناقشة قانون حماية المستهلك.. "تجارة حلب": عقوبة السجن غير مقبولة في المخالفات الخفيفة في خامس جلسات "لأجل دمشق نتحاور".. محافظ دمشق: لولا قصور مخطط "ايكوشار" لما ظهرت ١٩ منطقة مخالفات الرئيس الأسد يتقبل أوراق اعتماد سفير جنوب إفريقيا لدى سورية السفير الضحاك: عجز مجلس الأمن يشجع “إسرائيل” على مواصلة اعتداءاتها الوحشية على دول المنطقة وشعوبها نيبينزيا: إحباط واشنطن وقف الحرب في غزة يجعلها مسؤولة عن مقتل الأبرياء 66 شهيداً وأكثر من مئة مصاب بمجزرة جديدة للاحتلال في جباليا استشهاد شاب برصاص الاحتلال في نابلس