الأزمة المستجدة غير المسبوقة التي حلت بالعالم في الأشهر الأخيرة بسبب ما وصِل إليه في زمن تفشي الأوبئة، رغم أن قصة الأوبئة التي تظهر وتنتشر ليست بجديدة على البشرية، أقول إنها غير مسبوقة من حيث مساحة انتشار المرض، وتأثر اقتصاد الدول بسببها بما يصل إلى حد الضرر الفادح.. إلا أن هذه الأزمة الطارئة ألقت ضوءاً كاشفاً أكثر من ذي قبل، ولفتت الأنظار بشكل كبير إلى أهمية (البحث العلمي) في المجالين الطبي، والصحي باعتبارهما أصبحا المنقذ الأول، والحصن الذي سيُنقذ، ويحمي.
وأمر البحث العلمي بالطبع لا يقف عند حدود الطب والصحة، لأنه ينسحب ليشمل كل مجالات الحياة التي تقع في دائرة الدرس، والبحث عن حلول لمشكلات.. والدوائر العلمية بدراساتها وأبحاثها أصبحت الآن مطالبة بدرس الآثار التي خلفتها هذه الأزمة على مستويات عدة ليس آخرها التأثيرات النفسية والاجتماعية على الأفراد، والتي ستتجلى أبعادها بشكل أكبر فيما بعد، ولا إعادة النظر في النظم الاقتصادية وعمليات الإنتاج المحلية، بهدف الأمن الغذائي للدول.
إلا أن مؤسسات الأبحاث العلمية في مجال الصحة والطب، أصبحت الآن أكثر حاجة إلى بعضها البعض مما كانت عليه في السابق من التعاون وتبادل الخبرات، وهي تتسابق في الحصول على العلاج واللقاح لتدرأ خطر الوباء.
إن العمل البحثي الفردي يحتمل في نهايته إمكانية الخطأ والصواب بنسبة أعلى، مقارنة مع ذلك الذي يجري من قبل فريق تتجمع لديه الأبحاث الفردية لتجرى عليها المناقشات، والتحليلات، والمقارنات، ودحض بعض النظريات، أو قبولها للوصول في آخر المطاف إلى النتائج الصحيحة. وما قيل عن العمل الفردي مقابل فريق العمل أو العمل الجماعي يمكن أن يقال حول عمل المؤسسات العلمية والفكرية بشكل منفرد أو جماعي. ذلك أن التعاون العالمي بين المؤسسات والمراكز البحثية أصبح أكثر من ضروري الآن في ظل الظروف القائمة لما يتيحه من سبل تداول المعلومات، وتحليلها، وإجراء المقارنات، وبالتالي الخروج بنتائج أكيدة ربما ما كانت لتخرج لولا عملية التبادل هذه.
لقد فضحت الأزمة الحالية تقصير كثير من الدول في مجالات التعاون العالمي، كما في مجالات البحث العلمي لدرجة أن دولاً بعينها هي التي تقوم منفردة بالأبحاث الجادة، والدراسات المدعمة بالاختبارت والتجارب المعملية للوصول إلى الحلول المجدية، خاصة وأن منظمة الصحة العالمية قد صرحت بأن آثار الوباء على مختلف الأصعدة وأهمها الاقتصادية والاجتماعية والصحية ربما ستدوم لعقود، وأننا بحاجة إلى سياسات مجدية للتعافي، مثلما هزيمة المرض الوباء، وهي تلمح في الوقت ذاته إلى ضعف التعاون العالمي في هذا الاتجاه بسبب تسييس المواقف وتضارب الآراء.
إن الإعلان عن إنشاء أي مركز بحثي يعني الاهتمام بأطروحات الجامعات في أنحاء العالم حول موضوعات بعينها، والترحيب بانضمام المعنيين بهذه الأبحاث، أو بغيرهاإلى فريق مركز الأبحاث. هذا إضافة إلى ما تقوم به عادة الجامعات من إشراف وإنفاق على مراكز البحث، وحتى ما يصدر عنها من نشرات ودوريات ومطبوعات أو أي وسيلة من وسائل التواصل مع الجهات العالمية، للاستفادة من هذه الأبحاث كالشركات الكبرى والمعامل والمنشآت الصناعية والهيئات الرسمية وغيرها.
أما الخطوة الأهم فهي التي تأتي لاحقاً عندما تتبنى المؤسسات والجهات المعنية محصول المراكز البحثية في الاستفادة من كل الأبحاث بما يخلق روح البحث العملي، ويشجع الباحثين والأكاديميين للانصراف إلى أبحاثهم ودراساتهم لتكون هذه بذوراً لبدايات إثبات الوجود على مستوى العالم، وذلك من حيث قدرة الدول على احتضان هذه الجهات القائمة على البحث، والتطوير.
ونحن في عالمنا العربي ماذا نحن فاعلين، والعقول العربية قد برهنت، سواء على مستوى فريق العمل أو العمل الفردي على أنها قادرة على العطاء والتغيير، بل حتى على التأثير، كما على البحث والاكتشاف حتى وصل بعض منهم إلى جائزة نوبل؟
لعل التنبيه يقرع أجراسه في أروقة الجامعات والمراكز البحثية، مهما صغرت إمكاناتها للتفكير بطريقة علمية عملية، فتعيد النظر في سياساتها، وما ترصده دولها من أموال في هذا المجال، خاصة وأن الاعتماد على التقنيات الرقميّة وما تتيحه من إمكانيات كبيرة وواسعة المدى أصبح في أوج ازدهاره.
إضاءات ـ لينـــــــا كيـــــــلاني