تتقاسم العديد من الدول الرأي بضرورة محاربة الإرهاب في سورية بلا هوادة وصولا إلى ترسيخ الأمن والاستقرار فيها ولكن النيات شيء والأفعال على أرض الواقع أمر آخر وخاصة من الدول التي تورطت في دعم الإرهاب ولا زالت حتى اليوم رغم استطالة الأعمال الإرهابية إلى أراضيها تضع رجلا في حلبة الداعين لمحاربة الإرهاب والرجل الأخرى في حلبة المعولين عليه لتحقيق أهداف سياسية.
في اللقاءين الافتراضيين بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الفرنسي مانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل كان القاسم المشترك تأييدهم لمحاربة الإرهاب في سورية دون هوادة والمقصود هنا منطقة إدلب والدور التركي في مساعدة التنظيمات الإرهابية ضد الجيش السوري والإجراءات الروسية لإرساء الاستقرار فيها.
إن التأييد الألماني والفرنسي المعنوي لروسيا في مسألة مكافحة الإرهاب في سورية مهم في سياق الجهود الروسية لإنهاء الإرهاب في إدلب ولكن لا قيمة له على أرض الواقع إذا لم يتحول إلى سياسة بإجراءات عملية على الأرض وفي المحافل الدولية تدفع الدول المعولة على الإرهاب إلى الكف عن هذا السلوك الذي لم يجلب إلاّ الدمار وانعدام الاستقرار في العالم.
إن إصرار الحكومة السورية على مواقفها بمواصلة محاربة الإرهاب ورفض أي تدخل خارجي في عمل اللجنة الدستورية مضافاً إليه ما تفعله الحكومة الروسية لإحداث تغيير في النهج الأوروبي يلتقي مع ذلك ولو في حدوده العامة ويمر في مخاض عسير تتقاذفه العلاقة المضطربة بين ضفتي الأطلسي والخلافات المتصاعدة بينها على الأولويات والدور وخاصة في ظل التداعيات المتحركة لسياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه التفاعل والتعاون مع الاتحاد الأوروبي ومحاولته تحويل هذا الاتحاد إلى مجرد قطيع يسير خلف السياسة الأميركية دون أن يكون له حق إبداء الرأي أو الاعتراض .
من المعلوم أن نجاح الرئيس الروسي في كسب التأييد المعنوي للرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية لجهود بلاده لإرساء الاستقرار في منطقة إدلب يزيد الضغط على النظام التركي الذي يحاول مسك العصا من المنتصف في بناء علاقاته مع روسيا والحفاظ على مستواها المأزوم مع أوروبا وتعزيز تبعيتها للسياسة الأميركية.
ان ما أورده جون بولتون مستشار الأمن القومي السابق في كتابه الأخير عن التنسيق المسبق بين أنقرة وواشنطن حول انسحاب قوات أميركية من بعض المناطق شمال شرق سورية لإفساح المجال أمام القوات التركية لاحتلالها كاف للدلالة على العمل التركي-الأميركي خارج سياق العلاقة في حلف شمال الأطلسي والتحالف الأميركي لمحاربة “داعش” أي دون التنسيق مع الاتحاد الأوروبي الذي يرفض التدخل العدواني التركي والذي لم يكن ليحصل لولا الإشارة الخضراء الأميركية.
كل التطورات الدولية تضع الاتحاد الأوروبي أمام مفترق طرق فإما أن يقبل أن يكون أداة من أدوات الأمن القومي الأميركي أو يخط طريقا آخر يحافظ فيه على موقعه وبالتالي تحمل تبعات هذا الخيار الذي عبر عنه الرئيس الفرنسي في مرور حلف الأطلسي بحالة احتضار حقيقي.
إن الدول الأوروبية مجتمعة تأثرت وتتأثر بتبعات انعدام الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط الذي عملت الولايات المتحدة وأدواتها وخاصة النظام التركي على زعزعته بإدراجها للتنظيمات الإرهابية في سلة أدوات تحقيق سياستها الخارجية ولن تكون المصالح الأوروبية المختلفة في مأمن من التنسيق الأميركي التركي الإسرائيلي الذي يوظف التيار الإخواني في تحقيق أهدافه وهو ما يدعو إلى سياسة أوروبية مستقلة وهو ما دعت إليه المستشارة الألمانية عبر دعوتها لأوروبا إلى التفكير في مكانتها في عالم لا تقوده الولايات المتحدة.
بالتأكيد الكلام الذي نطقت به ميركل مهم جداً لجهة فقدان واشنطن لقيادة العالم وانتهاج سياسة أوروبية جديدة وبحكم الترابط البري والبحري بين المنطقتين الأوروبية والعربية بالمصالح المتعددة الجوانب فان على أوروبا أن تمهد هذا الخيار بقطع الطريق على النظام التركي المتعهد الأول للإرهاب إضافة إلى التحرر من الإجراءات والعقوبات الاقتصادية الأميركية التي تعدّ ذراعاً أخرى للإرهاب الاقتصادي وتؤدي في نهاية المطاف إلى المشاكل التي تتحول إلى بيئات مناسبة للمشتغلين على توظيف هذه الآفة وفي مقدمتهم الولايات المتحدة وإسرائيل وتركيا.
معاً على الطريق – أحمد ضوا