ثورة أون لاين:
صفعة دبلوماسية وقانونية تلقتها واشنطن في مناقشات اجتماع مجلس الأمن الدولي الافتراضي، الذي عقد بطلب منها لبحث تجديد حظر السلاح على إيران قبل انتهاء العمل به في تشرين الأول.
ولم يسبق أن واجهت أمريكا عزلة دولية حتى من قبل أقرب حلفائها في الناتو وفي أوروبا والعالم منذ الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم ، كما واجهته في اجتماع مجلس الأمن الافتراضي، عندما رفض جميع أعضاء المجلس المزاعم الواهية التي ساقها وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو من أجل تمديد حظر الأسلحة التقليدية المفروض على إيران، والذي تنتهي مفاعيله في 18 تشرين الأول القادم وفقا للقرار الدولي 2231.
مناقشات أفضت إلى كشف عزلة أميركيّة ظهرت بمواقف حلفاء واشنطن بمن في ذلك الأوروبيين وانتقادهم الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي إضافة إلى اعتراض غالبيتهم على مسودة قرار وزعها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو على أعضاء المجلس الخمسة عشر لتمديد حظر الأسلحة إلى أجل غير مسمى.
دبلوماسيون أكدوا أن واشنطن ستواجه معركة صعبة وفوضوية.. وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قال في تغريدة على تويتر بعد الاجتماع إن المجتمع الدولي عموما ومجلس الأمن الدولي على وجه الخصوص يواجهان قرارا مهما متسائلا هل سيتم الحفاظ على احترام سيادة القانون أم سيسطر قانون الغاب؟
السفير الإيراني في الأمم المتحدة مجيد تخت روانجي قال إن أعضاء مجلس الأمن أعلنوا مرة أخرى دعمهم للاتفاق النووي وأضاف أن تصريحاتهم أثبتت أنهم لا يدعمون خطوة أميركا لتمديد الحظر التسليحي على إيران لافتا إلى أن على أميركا أن تضع سريعا مسودة قرارها التعيس جانبا قبل أن يتم رفضها مرة أخرى.
أما السفير الإيراني في لندن حميد بعيدي نجاد فرأى في تغريدة على تويتر أن اجتماع مجلس الأمن أثبت تجسيد الوحدة بين جميع الأعضاء ما عدا أميركا، في الدعم بلا قيد أو شرط للاتفاق النووي وإدانة سياسات واشنطن.. وأضاف ان واشنطن كانت معزولة بين حلفائها بحيث غادر بومبيو الاجتماع سريعا.
وكان الانتقاد الأقوی للولايات المتحدة جاء من المندوب الروسي فاسيلي نيبينزيا الذي وصف ممارساتها بالعنصرية حيال إيران بقوله ان الوضع شبيه بوضع ركبة علی رقبة شخص في أشارة إلی مقتل الأميركي الأسمر جورج فلويد خنقاً بركبة شرطي أميركي.. ووصف المشروع الأميركي بالخيالي وليست هناك أي فرص لتبنيه.
بومبيو الذي عجز خلال الفترة الماضية أن يجد في العالم دولة واحدة تؤيد وجهة نظره ونظر سيده ترامب من القرار 2231 ، فلم يجد غير الكيان الإسرائيلي والنظامين السعودي والبحريني، ليتحدث بإسمهم في كلمته أمام الاجتماع الافتراضي لمجلس الأمن.
يبدو أن بومبيو كان يعرف قبل غيره ان ما يقدمه من تبريرات لإقناع مخاطبيه بأن رفع الحظر على الأسلحة “التقليدية” المفروض على إيران يهدد “الامن والسلم الدوليين”، ستكون سخيفة ومضحكة، لذلك آثر أن يدس بين كلمته الهدف الحقيقي من وراء إصراره على تمديد الحظر على إيران حيث قال بالحرف الواحد :”إن إنهاء الحظر سيسمح لإيران بإرسال أسلحة أكثر تطورا إلى حلفائها الإقليميين”.
الإعلان عن الهدف الأول والأخير لإصرار أمريكا على تمديد الحظر أو تفعيل آلية عودة العقوبات الأممية على إيران، يكشف من جانب آخر عن بؤس الأنظمة الرجعية العربية التي دار عليها المبعوث الأمريكي الخاص إلى إيران براين هوك قبل انعقاد اجتماع مجلس الأمن ليلقنها عبارة “نحن مع تمديد الحظر” والتي تكررت في زياراته للرياض والمنامة، ليستشهد بها بومبيو في اليوم الثاني أمام الاجتماع كدليل على رفض دول الشرق الأوسط لرفع الحظر عن الأسلحة التقليدية عن إيران!، بينما ليس لهذه الدول من ناقة ولا جمل في الأهداف التي أعلن عنها بومبيو صراحة، وهو ما يعتبر كدليل إضافي ليس على عمالة هذه الأنظمة لأمريكا والصهيونية العالمية، بل كدليل قاطع على أن هذه الأنظمة هي جزء من المنظومة الصهيونية العالمية للسيطرة على بلدان وشعوب المنطقة.
رغم أن اجتماع مجلس الأمن البارحة كان شاذا من حيث المضمون، حيث عقد بدعوة من جهة تنتهك القوانين الدولية جهارا نهارا مستعينة بقوتها العسكرية المجردة والمتمثلة بأمريكا، لإدانة جهة بسبب التزامها بالقوانين والقرارات الدولية والمتمثلة بإيران، إلا أنها كشفت أيضا عن أن العالم بدأ يتحرر من البلطجة والتنمر الأمريكي، حيث أدار جميع أعضاء المجلس ظهورهم للثرثار بومبيو، رافضين تهديده بتفعيل الآلية الذاتية لإعادة العقوبات الأممية ضد إيران إذا ما تم رفع الحظر عنها وفقا للقرار الدولي 2231 ، لسبب بسيط وهو أن أمريكا لم تعد عضوا في الاتفاق النووي بعد أن انسحبت منه وانتهكته وفرضت حظرا أحادي الجانب ضد إيران، وفي المقابل التزمت إيران بالاتفاق رغم انتهاكه من قبل أمريكا وتقاعس أوروبا عن الالتزام بتعداتها المنصوص عليها في الاتفاق.
ما لم يتوقعه بومبيو هو أن يتم تجاهله بهذه الشكل المهين حتى من قبل بريطانيا وفرنسا في مجلس الأمن ، رغم كل الضغوط التي مارستها أمريكا على الأمانة العامة للأمم المتحدة لاستصدار تقرير مبني على معلومات مفبركة حول المصدر الإيراني للصواريخ التي قصفت بها القوات المسلحة اليمنية منشات سعودية، وهو تجاهل قد يكون بداية لصحوة لدى المجتمع الدولي ليكف عن مسايرة الغطرسة الأمريكية وهي تنتهك بهذا الشكل الفج القوانين الدولية والقيم الإنسانية ، لاسيما بعد أن برأت الأمم المتحدة نظام السعودية من جرائم قتل أطفال اليمن تحت ضغط أمريكي سافر، من اجل الحفاظ على الأمن والاستقرار الدوليين ، وهذا بالضبط ما أشار إليه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في كلمته أمام اجتماع مجلس الأمن عندما قال “المجتمع الدولي عموما ومجلس الأمن الدولي على وجه الخصوص يواجهان قرارا مهما: هل نحافظ على احترام سيادة القانون أم نعود إلى قانون الغاب بالخضوع لأهواء بلطجي خارج عن القانون؟”.