ثورة أون لاين – ترجمة ميساء وسوف:
أثارت التحديات الأخيرة التي واجهت المؤسسات الأميركية أسئلة عديدة، وأثارت المؤسسات التي تدعي حماية الديمقراطية في الولايات المتحدة أسئلة سياسية وقانونية أساسية والتي يتوجب على جميع الديمقراطيات الليبرالية أن تجيب عليها بشكل مقنع.
يمكننا أن نذكر بعضاً من هذه الأسئلة فمثلاً: متى يجب أن يرفض القادة العسكريون اتباع الأوامر الرئاسية التي يعرفون بشكل مؤكد أنها غير دستورية؟ وفي أي مرحلة تتحمل الشرطة المسؤولية عن نزع الشرعية عن تأثير العنصرية؟ ولماذا يجب على الصحفيين أن يضعوا الحقيقة فوق الحيادية؟ ومتى يجب على الكلمات أو الصور والوثائق التي يتم استخدامها بشكل متعمد في تحدٍ للوقائع الواضحة أن تخسر الحماية القانونية؟
هناك دلائل كثيرة للتحديات التي تواجهها الولايات المتحدة في هذه الفترة، وقد كان الجنرال مارك ميلي، أكبر مسؤول عسكري أميركي على حق في الاعتذار عن المشاركة في جولة الرئيس دونالد ترامب الملحّة عبر ساحة لافاييت في واشنطن العاصمة، فهناك حيث تشتعل المظاهرات ضد العنصرية، لم يقتصر الأمر على استخدام الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي لقمع المتظاهرين السلميين، ولكن من الواضح أن ترامب كان يستخدم الجيش كبيدق في السياسة الداخلية.
وبشكل مماثل، كان هناك سبب للاتفاق على استخدام رئيس شرطة ديترويت جيمس كريج لكلمة “جريمة قتل” لوصف قتل شرطة مينيابوليس لجورج فلويد، وهو رجل أسود غير مسلح، فقد كان يجب على الضابط المخالف وزملائه الثلاثة أن يعرفوا أن الضغط بالركبة على عنق شخص ما لأكثر من ثماني دقائق هو وقت طويل بما يكفي للتسبب في الاختناق. وبقدر ما يكون من المعقول أن نستنتج النية من مثل هذا الفعل، فإن القتل هو تهمة معقولة، إذا تم القبول بالفرضية القائلة بأن حياة السود مهمة.
بعد ذلك بوقت قصير نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالة رأي بقلم السيناتور الأميركي توم كوتون، وهو حليف قوي جداً لترامب، حث من خلالها الحكومة الفيدرالية على تنفيذ قانون الانتفاضة” 1807″ التي تقضي بنشر القوات المسلحة لقمع الاحتجاجات العامة.
وفي وقت لاحق رفض مجلس التحرير في الصحيفة التعليق على المقالة، وألقى باللوم على قرار نشرها على عدم التحقق الكافي من الحقائق حول توصيف كوتون الزائف للمتظاهرين بأنهم فوضويون و”مجرمون”.
لا يجب الخلط بين نشر المعلومات المضللة وبين تأييد نشر “الآراء المتنوعة”. إن أولئك الذين يزعمون أن المزيد من الكلام هو أفضل ترياق للخطاب المضلل ربما يكونون على حق، شريطة أن يتضمن الأمر التعبير عن الآراء أو الأفكار الفعلية، وقد تم كشف المزيد عن جهود توم كوتون لتضليل القراء، كما تم التشكيك في قرار صحيفة التايمز بالنشر، لكن كثرة الكلام هو رد عقيم على الكلمات أو الصور التي تهدف فقط إلى إثارة العنف أو تعطيل الجهود الجيدة من أجل التواصل.
إذ تنتشر يومياً الكثير من المعلومات السياسية المضللة “المقنّعة” وغير المصنّفة، إضافة إلى الخدع المؤذية عبر” Facebook و Twitter” وغيرها من منصات وسائل التواصل الاجتماعي، ويجب على الديمقراطيات أن تكون قادرة على الدفاع عن نفسها ضد استخدام كل ما من شأنه زرع الارتباك وعدم الثقة عن عمد من أجل تعطيل الخطاب العام الهادف من كلمات أو صور مضللة.
وقد قضت المحكمة العليا للولايات المتحدة بأن تدابير حماية التعديل الأول للدستور لا تمتد إلى أفعال الكلام التي تهدد بالعنف الوشيك، وأنه يجب أن يطبق هذا الحد سواء أكانت “كلمات قتالية” أم كلمات تشويش يمكنها أن تدمر الظروف الأساسية للاتصال نفسها.
لا شك أن كل هذه التحديات الأخيرة للحكم الديمقراطي يجمعها قاسم مشترك واحد ألا وهو”سوء النية”.
فالأمر التنفيذي الذي ينتهك المبادئ الأساسية للحكم الذاتي، والشرطة العنصرية، والتخلي عن واجب الصحافة المستقلة في قول الحقيقة للسلطة، وزرع الارتباك وعدم الثقة من خلال نشر المعلومات المضللة عمداً، إضافةً إلى تسييس الوكالات المستقلة كلها تندرج تحت وصف واحد وهو “سوء النية”.
إن سوء النية على هذا النطاق يهدد بتعطيل الآليات الدستورية الموجودة للتحقق من إجراءات السلطة غير الضرورية داخل أي فرع من فروع الحكومة، كما أنه يهدد بكشف الميثاق الاجتماعي الأوسع من خلال تخريب القيم الديمقراطية المشتركة التي تستمد الدولة شرعيتها منها.
فعندما يدعو الرئيس القوات المسلحة إلى قمع المعارضين له، يصبح الشعب الذي هو المصدر الرئيسي لسلطة الدولة عدواً للدولة، وبالمثل عندما يسيء الرئيس ويهدد الصحفيين، فإن الصحافة الحرة التي هي الوصي الأفضل “للدفاع عن الحقوق” كما وصفها جيمس ماديسون تصبح أيضاً “عدو الشعب” كما سبق ووصفها ترامب.
وأخيراً، عندما يستخدم الفرع التنفيذي وزارة العدل لمكافأة الحلفاء السياسيين الموالين لترامب مثل المستشارين السابقين مايكل ت. فلين وروجر ستون، ولقمع كل من يعارضهم واعتبارهم أعداء لهم، عندها تصبح العدالة وسيادة القانون أعداء وعندما تقوم العملية السياسية بتعيين قضاة اتحاديين يكون ولاءهم للرئيس التنفيذي وليس للقانون أو الالتزام باتخاذ قرارات محايدة، عندها يفقد الفرع القضائي بأكمله مصداقيته.
المصدر: Project Syndicate