الثورة أون لاين-يمن سليمان عباس
ما أكثر ما حلقنا بأجنحة الخيال , نمضي هنا وهناك مع بطل ليس من لحم ودم , ولكنه أمسك بنا قادنا معه , تركنا ما بأيدينا لنعرف خطواته , ماذا يفعل , وإلى أين يمضي وكيف , هذا حدث ومازال عندما نقرأ رواية ما , نقول عنها :إنها تمسك بنا حتى الانتهاء منها , لا يمكنك أن تفارق شخوصها حتى تعرف مصائرهم .
من منا لم يكن مشدودا إلى شخصيات نجيب محفوظ , ولاسيما سي عبد الجواد , وشخصيات حنا مينة وغيرهم من الروائيين العرب والعالميين , الشخصيات الروائية التي يخلقها المبدع من فكره وخياله , ربما هي من لحم ودم , قد يلتقطها من مكان ما , ومن ثم يعيد ابتكارها والمضي نحو آفاق أخرى وميادين حياة مختلفة ’هذه الشخصيات هي موضوع دراسة كتاب مهم صدر عن الهيئة العامة السورية للكتاب , حمل عنوان :الشخصية في الرواية , وهو من تأليف : لور هيلم , ترجمه إلى اللغة العربية الدكتور غسان بديع السيد .
تمثل مقدمة الكتاب مفتاحا للدخول إلى عوالم الشخصيات الروائية , تقول المؤلفة : من المستحيل الحديث عن الرواية في أي عصر من العصور , دون ذكر الشخصيات التي تحتل المركز منها , تمثل الشخصيات الروائية عنصرا لايستغنى عنه في التخييل , وتشكل نقطة ارتكاز أساسية بالنسبة للقارئ ’ ومكان توظيف انفعالي وايديولوجي أساسي , الحبكة نفسها لاتوجد إلا عبر الشخصية ومن أجلها , وهي محرك العمل والضامنة في الوقت نفسه لتماسكه , وكما يشير بدقة إيف روتير , يمكن قياس اهمية الشخصية بنتائج غيابها , كيف يمكن من دونها رواية القصص وتلخيصها , والحكم عليها , والحديث عنها وتذكرها ؟
لاتوجد إذا رواية دون شخصية :ما يذكر شارل غريفيل ’ يشتمل الموقف السردي الاساس على الشخصية .
قتل الشخصيات
طبعا لم تبق الشخصية الروائية موضع تقدير الجميع واتفاقهم , وكما العادة في كل لون ادبي ثمة مجربون يريدون الانتفاضة على ما هو متأسس وراسخ , ومن هنا كان البعض يعلن عن الرواية الجديدة , وموت الشخصيات التي يجب ألا تبقى عمود الرواية , فحسب هؤلاء تنتمي من وجهة نظرهم الى الماضي , في عصر مطبوع بصعود الفرد في ثقته بوسائله ومستقبله ومن الضرورة التخلص بسرعة من هذه الدعامة للرواية التقليدية التي ينظر غليها من الآن فصاعدا بوصفها شيئا مصطنعا وكاذبا , ولكن على الرغم من ذلك , وعلى الرغم من إعلان موتها فإنها استمرت في فرض نفسها اليوم , ومن الضروري ملاحظة أنها تبدو دائما لايستغنى عنها في كتابة أي رواية , وعلى ما يبدو أن الأزمة التي مرت بها الشخصية لم تقوضها , بل على العكس أعادت الحيوية إليها .
والكتاب عبر 211 صفحة من القطع الكبير يعالج عبر الفصول التالية موضوع الشخصية الروائية : الشخصية محرك الرواية \ تماسك الشخصية الروائية \ في مركز الانظار المشهد وشخصية الرواية \ الشخصية وتجربة الزمن \ الشخصية الفاعل في النص الروائي \ أزمة الشخصية الروائية .
ومن خلال العناوين السابقة تجري المؤلفة دراسات تطبيقية على العديد من الشخصيات الروائية , وهذا يدعونا لأن نذكر بضرورة أن تدرس الشخصيات الروائية في الرواية العربية , لاسيما عند محفوظ وحنا مينة , ومنيف , وجبرا , وحيدر حيدر وغيرهم من الكتاب المشهورين الذين ابتكروا شخصيات مازالت ترافقنا في حلنا وترحالنا .
ومن الجميل أن نذكر بما قالته الباحثة في الصفحة 173 : إن الروائي الذي يبرمج بطرائق متعددة انخراط القارئ في النص يخلق الشخصية المعرضة للتبدلات اللامناهية , مهما كان شكل لقائنا مع شخصية الرواية , فإننا مدعوون إلى إكمال تجربة الغيرية الغنية جدا من خلالها , من وجهة نظر هذه, إن قراءة رواية كما يشير فانسان جوف , هي تعليم للآخر