ثورة أون لاين – فؤاد الوادي:
بين تحديات اللحظة الراهنة التي فرضت حضورها على المشهد السوري، وبين التاريخ الحافل بالنضال والكفاح، يندفع مجلس الشعب السوري كأحد الأطراف الفاعلة والمؤثرة والأساسية والصانعة للقرار في منظومة الدولة السورية، بعد أن اتسعت رقعة المواجهة مع أعداء الوطن لتصل إلى ذروتها في ظل سياسات التصعيد والتهديد والضغط والتجويع التي تمارسها الولايات المتحدة وشركاؤها وأدواتها ومرتزقتها ضد السوريين.
ضمن هذا السياق، سياق التحدي والمواجهة التي فرضت على الشعب السوري، يخوض مجلس الشعب معركته الأصعب من حيث التوقيت، وسط تكالب واستشراس الأعداء، ليرتقي بطموحات ومطالب السوريين ويجعل منها هدفه ومطلبه ومبتغاه الأساسي، لجهة تحقيقها وتنفيذها على أرض الواقع.
تاريخياً يعد البرلمان السوري من أقدم المؤسسات البرلمانية في الوطن العربي والمنطقة، حيث يعود تاريخ إنشائه إلى العام 1919 عندما دعا رجالات سورية من الوطنيين والأحرار إلى عقد اجتماع في دمشق، يضم ممثلين عن جميع الأقطار السورية حينذاك ونقصد هنا سورية الطبيعية التي تضم (سورية بحدودها الحالية، ولبنان، وفلسطين المحتلة، والأردن) وذلك في الثالث من حزيران 1919، وأطلقوا على اجتماعهم (المؤتمر السوري) الذي اعتبر بمثابة مؤسسة تشريعية تمثيلية لكل المواطنين السوريين في (سورية الطبيعية)، وتمخضت عن هذا المؤتمر عدة قرارات مهمة كان من بينها إعلان سورية بحدودها الطبيعية دولة مستقلة وذات سيادة، وقيام حكم عربي دستوري فيها، والمبادرة إلى وضع دستور للبلاد سمي حينذاك بالقانون الأساسي.
إلا أن قوات الاستعمار الفرنسي سارعت إلى غزو سورية واحتلالها إثر معركة ميسلون الشهيرة في الرابع والعشرين من تموز 1920، فألغي الحكم العربي وعطّلت تجربة المؤتمر السوري، وهو الأمر الذي أدى إلى ارتفاع حدة وشدة الرفض والغضب الشعبي لأحكام وقرارات المستعمر الفرنسي، وبالتالي إرساء قاعدة نضالية وكفاحية وطنية على كامل التراب السوري فرضت على سلطات الاحتلال الفرنسي تنفيذ بعض المطالب الوطنية للشعب السوري، كتنظيم انتخابات عامة لتشكيل (جمعيات سياسية) و(مجالس نيابية)، كالمجالس التي أسست في الأعوام 1928 ـ 1930 ـ 1936 ـ 1943، إلا أن هذه الجمعيات والمجالس كانت في أغلب الأحيان معطلة أو ملغاة تبعاً لمصلحة المحتل الفرنسي وأهوائه.
وفي الفترة الواقعة بين العام 1947 والعام 1958 تاريخ قيام الجمهورية العربية المتحدة بين سورية ومصر، قامت عدة مجالس برلمانية ونيابية وتأسيسية، ولكنها كانت غير مستقرة بسبب عدم الاستقرار السياسي وسلسلة الانقلابات العسكرية المتتالية التي كانت تلجأ إلى تعليق الدستور وحل المجالس النيابية.
أما في عهد الوحدة (1958 ـ 1961) فقد قام (مجلس الأمة لإقليمي الجمهورية العربية المتحدة، سورية ومصر) يضم في عضويته 200 عضو من الإقليم الشمالي (سورية)، وفقد هذا المجلس مبرر وجوده مع حدث الانفصال في الثامن والعشرين من أيلول 1961.
وفي عهد الانفصال (من 28 أيلول 1961 وحتى 8 آذار 1963) كانت الحياة السياسية والدستورية مضطربة جداً، ومع بزوغ فجر الثامن من آذار 1963 وتفجر الثورة انتقلت سورية نقلة جذرية حيث تغيرت فيها الحياة السياسية والاجتماعية والتشريعية تغيراً نوعياً، حيث أنيط بـ (المجلس الوطني لقيادة الثورة) علاوة على المهمات المنوطة به، مهمة وضع دستور دائم للبلاد وسلطة التشريع ومراقبة الحكومة، ولكن لأسباب متعددة لم يتمكن هذا المجلس من أداء مهماته بصفته مجلساً تشريعياً.
وبقيت الحياة الديمقراطية شبه معطلة حتى السادس عشر من تشرين الثاني 1970 تاريخ قيام الحركة التصحيحية المجيدة بقيادة القائد المؤسس حافظ الأسد، الحركة التي جاءت تلبية لمطالب الجماهير بتصحيح الأخطاء وتقويم الممارسات الفاسدة لبعض النخب الحاكمة آنذاك ليبدأ عهد جديد في كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وسواها، وأعيد بناء الهياكل لإرساء المؤسساتية في سورية العربية الحديثة برؤية عصرية.
عمارة المجلس.
بدأت أعمال بناء مجلس الشعب تحت اسم دار البرلمان السوري عام 1928 على عدة مراحل، في موضع دار (سينما جناق قلعة) التي افتتحت في عام 1916 ولم تستمر أكثر من شهر، إذ استفاق سكان دمشق، وشاهدوا هذه الدار كتلة من اللهب نتيجة احتراق بكرة الفيلم، وبقيت مكانها أرض محروقة حتى عام 1928 حين قررت حكومة رئيس الوزراء تاج الدين الحسني إقامة بناء مجلس نيابي في سورية بعد ضغوط شعبية على الانتداب، وتم الانتهاء من المرحلة الأولى عام 1932.
ويلاحظ أن المبنى جاء على شكل جناحي العُقاب السوري (شعار سورية) على طراز العمارة العربية وكان حينها من أضخم مباني دمشق علواً وجمالاً وتمت إحاطته بحدائق كبيرة حسب المخططات العمرانية لدمشق في الأحياء الحديثة الواقعة على طريق الصالحية.
وأشرف على تصميم البناء وتنفيذه المهندس سامي النعماني والمهندس بهاء الدين زمبركجي، وصمم وركب زخارفه الفنان السوري أبو سليمان الخياط.
وتم في المرحلة الأولى بناء عدة غرف وقاعة اجتماعات مساحتها حوالي 200 متر مربع تمت فيها اجتماعات جميع المجالس النيابية من عام 1932 وحتى عام 1954.
وتمت مرحلة تالية من مراحل بناء البرلمان السوري في زمن رئاسة فارس الخوري، حيث ارتأى أن القاعات التي كانت موجودة آنذاك لاجتماعات اللجان البرلمانية وسكرتارية المجلس لم تعد كافية، فأمر ببناء غرف إضافية.
وبعد اعتداء قوات الانتداب الفرنسي على البرلمان السوري عام 1945 أمر رئيس المجلس النيابي آنذاك سعد الله الجابري ببناء قاعة جديدة تستوعب عدداً أكبر من النواب، واستمر العمل بهذه القاعة مدة سبع سنوات، وانعقد أول اجتماع فيها عام 1954 وهي القاعة الحالية لاجتماعات السادة أعضاء المجلس.
وتم بناء شرفات تطل على قاعة الاجتماعات الرئيسية (قاعة القبة) خصصت لكبار الزائرين وموظفي الدولة، إضافة إلى شرفة خاصة بالصحفيين والإعلاميين.
وفي عام 1999 جددت قاعات المجلس ومداخله، وتمت إشادة بناء إلى الجنوب من الكتلة الرئيسية يحتوي على ثلاثة طوابق ويتضمن قاعتين لاجتماعات لجان المجلس وعدة غرف، كما تم توسيع حديقة المجلس، وتم تسجيل مبنى البرلمان على قائمة التراث العالمي برقم 140 من بين 216 مبنى مسجلاً.
وجمع تصميم قاعة الاجتماعات مختلف فنون العمارة العربية وهذا الشكل من البناء هو طراز عربي قديم يسمى الأبلق، كما هو حال القصر الأبلق الذي بني في عهد الظاهر بيبرس في المرج الأخضر وحوله العثمانيون إلى التكية السليمانية.