ثورة أون لاين -عبد الحليم سعود:
يصل قطار انتخابات مجلس الشعب للدور التشريعي الثالث يوم الأحد القادم إلى محطته النهائية والحاسمة، حيث ينتقل مصير المرشحين الذين حققوا الشروط الأولية للترشح وحصلوا على فرصتهم لخوض الانتخابات إلى أيدي الناخبين أصحاب اليد العليا والكلمة الفصل في تقرير من سيدخل قبة البرلمان للاضطلاع بمسؤولياته الوطنية تجاه بلده ومواطنيه، ومن ينتظر إلى دورة قادمة لتجريب حظه مرة أخرى بعد أن أخفق هذه المرة في إقناع ناخبيه وعجز عن جمع الأصوات المؤهلة للفوز، وبات عليه الاستفادة من التجربة الحالية لاستخلاص الدروس المناسبة وتحسين حظوظه في فرصة قادمة.
عندما نتحدث عن الناخبين ونطلق عليهم أصحاب الكلمة الفصل في هذا الاستحقاق الوطني الدستوري، فإننا نعني بالضرورة المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقهم في إطار اختيار الأجدر والأصلح لتمثيلهم وخدمتهم وخدمة وطنهم في هذه المؤسسة الدستورية السورية العريقة، حيث لا ينبغي أن يغيب عن بال أي مواطن سوري حجم المسؤولية التي تقع على عاتق مجلس الشعب في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ سورية، لجهة الاستحقاقات الداخلية الكثيرة التي تشغل بال الجميع في الشقين الاجتماعي والاقتصادي، أو لجهة التحديات الخارجية التي يواجهها وطننا ومواطننا في خضم الحروب العسكرية والإرهابية والسياسية والإعلامية والاقتصادية الظالمة التي شنت عليه على مدى أكثر من تسع سنوات والتي أفرزت جملة من التحديات ما زال البعض منها يمس وحدة واستقلال واستقرار سورية مع وجود احتلالين أجنبيين في الشمال السوري”التركي والأميركي”، إضافة إلى نزعة انفصالية عند مرتزقة “قسد” المدعومين من الجانب الأميركي، وبؤر إرهابية نشطة وخطرة مدعومة من النظام التركي في الشمال الغربي من البلاد.
فعندما يتقدم الناخب إلى صندوق الانتخاب يجب أن تكون صورة هذه التحديات ماثلة أمام عينيه ترشده وتساعده في عملية اختيار التوليفة البرلمانية الأقدر على فهم طبيعة ما يجري من أحداث وتطورات، والأكفأ في صياغة القرارات الوطنية التي تتناسب وحجم هذه التحديات، بما يدعم أبطال الجيش العربي السوري الذين يواجهون على الأرض مخططات الأعداء والمحتلين والطامعين في بلدنا، وبما ينعكس إيجاباً لصالح دعم صمود شعبنا الملتف حول جيشه وقيادته، لأن مجلس الشعب يجب أن يكون صورة حقيقية عن الجيش والشعب اللذين صنعا ملاحم البطولة والصمود في مواجهة قوى الغدر والعدوان والهيمنة وإفشال مخططاتها، لا صورة نمطية عن مجالس سابقة ربما اقتصر اهتمام العديد ممن وصلوا إليها في ظروف ما على رفع العتب عنهم وتحقيق بعض المكاسب الخاصة بهم بعيدا عن المصلحة الوطنية العليا، لأن المرحلة القادمة تتطلب وجود مؤسسات وطنية قوية وفاعلة ترفع من معنويات الشعب وتشد أزره وتحافظ على تماسكه ووحدته وتلاحمه لاستكمال النصرين السياسي والعسكري اللذين باتا قاب القليل من الصمود والصبر والتحمل لتجاوز بعض المصاعب الراهنة والمفروضة من الخارج.
ثمة الكثير من المرشحين والعديد من القوائم التي ترفع الشعارات الاجتماعية والاقتصادية والوطنية..إلخ، ولعل مهمة الناخبين يوم الأحد القادم هي القيام بفرز حقيقي بين أصحاب الشعارات الفضفاضة الحالمة التي لا يمكن تحقيقها، وبين أصحاب الشعارات المنطقية المعقولة الممكنة التحقيق التي يعكس أصحابها فهماً حقيقياً لما يعانيه وطننا ومواطننا هذه الأيام، لأن ما ينتظر أعضاء مجلس الشعب في هذه الدورة الجديدة من أعباء وتحديات يختلف كثيراً عما واجهه أعضاء سابقون، وبالتالي فإن وعود وبرامج المرشحين يجب أن تكون منسجمة مع حاجات الوطن وحاجات وتطلعات ورغبات أبنائه، لا أن تكون تخديراً موضعياً تزول آثاره بعد عملية فرز الأصوات ومعرفة أسماء الفائزين.
لقد أثبتت مراحل كثيرة من تاريخ سورية أن مواطننا واع ومسؤول ويعي حجم المسؤولية الوطنية الملقاة على عاتقه، وليس من السهل اللعب بوعيه أو تضليله أو التأثير على معنوياته، ولذلك فإن الواجب يقتضي منه أن يشارك بقوة وفاعلية وأن يحسم خياراته النهائية سلباً أو إيجاباً، لأن هذا الاستحقاق الوطني مهم ومفصلي، وعلى الجميع أن يكونوا على مستوى الحدث إن كانوا يريدون العبور إلى وطن حقيقي محصن، وأكثر قوة وأكثر عافية، فكل صوت يسلك طريقه إلى صناديق الانتخاب سيكون بمثابة رصاصة مصوبة إلى صدور أعداء الوطن ممن يشككون بكل استحقاق وطني ويحاولون تشويه كل الانجازات التي حققها شعبنا وجيشنا وقيادتنا في سنوات الحرب وما قبلها، وهي رصاصة دعم لصمود جيشنا في كل الخنادق، ولقيادتنا الحكيمة الشجاعة في كل المعارك والتحديات التي تخوضها على المستويين الإقليمي والدولي، فلا تفوتوا الفرصة.