إفتتاحية الثورة – بقلم رئيس التحرير – علي نصر الله:
مورغان أورتاغوس الناطقة باسم وزارة الخارجية الأميركية، حَسناً فعلت عندما عَبّرت عن نيران القهر والغضب التي تَأكل فيها وبأركان إدارة دونالد ترامب، لا لأن العالم كان يَنتظر مَوقفاً جديداً ليَتعرف إلى مُستويات الحماقة والعُهر الأميركية، ولا ليَكتشف ازدواجية واشنطن المَقيتة، إنما لأنها تُعري ببيانها للمرة الألف بعد المليون سياسة بلادها وتُظهر قُبحها.
حديثُ أورتاغوس عن انتخابات مجلس الشعب في سورية بالطريقة التي تَناولتها، لا نَستهجنه، بل نَتوقعه ونَتفهم دوافعه التي لا تَتَوقف ربما عند حدود الشعور بالقَهر، لكن أن تتحدثَ عن الشرعية الحقيقية من الزائفة، فإنّ أميركا هي آخر من يَحق له الحديث عن الشرعية، وعن تَقييم الآخرين، ذلك بالنظر إلى مُمارساتها ونَهج البَلطجة الذي تَعتمده!.
لن نُعير بيان الخارجية الأميركية مَزيداً من الاهتمام ولن نَرد على مُحتوياته من مُفردات تُجتر على نَحو مُقزز، ولن نَرد على ما قد يَصدر لاحقاً عن البيت الأبيض والكونغرس، تَحديداً فيما خَصّ تَجربتنا الديمقراطية والانتخابات، ذلك أنّ نظاماً يُمارس العُنصرية ضد شعبه، ويَرعى حَصرياً الإرهاب الدولي، الصهيوني والتكفيري، ويَدوس القوانين الدولية وشُرعة الأمم المتحدة، تُرهاته لا تَستحق الرد.
بيانُ الخارجية الأميركية الذي تناول انتخابات مجلس الشعب في سورية حتى قبل أن تَصدر نتائجها، هو لا يَعكس إلا أحجام الحماقة ومَقادير الخيبة لدى واشنطن، يَخلو من أيّ مَضامين يُمكن التوقف عندها إلّا إشارته إلى القرار 2254 الذي تَتذرع به، تَرفع رايته كذباً ونفاقاً، تَسعى للاجتزاء منه وفيه، وتَضغط من خلال ذلك لتحقيق ما تَتوهم أنه يُحقق لها وللمُرتزقة شيئاً مما فشلت بتحقيقه منذ بدأت تنفيذ مُخطط الحرب والعدوان – 2011 – بتوظيف التكفيريين الدواعش ومُشتقاتهم كأداة وذراع.
أميركا كمَركز قيادة للحرب والعدوان، معها جوقة العدوان ومَنظومته مُجتمعة، لا تُريد أن تَتَذكر القرار 2253 الذي يَسبق مُباشرة القرار 2254، وهو القرار الذي يُحدد بدقة المُهل الزمنية والاستحقاقات والمُوجبات التي ينبغي على جميع الأطراف الالتزام بها، وقد صدرَ عن مجلس الأمن الدولي بموافقتها، فلماذا تَتَجاهله؟ لماذا تُخالفه باستمرارها في التبني وتقديم الدعم للدواعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى؟ لماذا تَقفز باتجاه القرار 2254 وتَجتزء فيه، فيما تعمل بشكل مُنظم على إحياء الدواعش باحتضانهم خلافاً لنص القرار 2253 الذي يُوجب العمل على تَجفيف مَنابع الإرهاب؟.
جوقةُ الكذب والفبركة والعدوان بالقيادة الأميركية لم تُدرك حتى الآن أنّ مشروعها الذي هُزم وتَفكك وصارَ حُطاماً من المُستحيل إعادة تركيبه، على أن الاستمرار بإصدار بيانات تافهة كالذي صدر عن الخارجية الأميركية إنما يُؤكد مباشرة انفصال واشنطن عن الواقع، فضلاً عن أنه يؤكد عنادها وغَطرستها، وهو ما سيُضاعف أزمتها والنتائج التي ستَرتد عليها.
العودةُ إلى المُربعات الأولى في العدوان غير مُمكنة، فالوقائع والمُعطيات لا تَسمح إلا للحمقى بالتفكير في هذا الاتجاه، المُضي بسياسة الإنكار ومُحاولة الهروب إلى الأمام بفَرض العقوبات والحصار لن تُجدي، وإنّ مُحاولة مُحاكاة أوهام الماضي بتشكيل أوهام جديدة تَنطوي على مُغامرة تَرقى لمُستوى الانتحار، ذلك أنه إذا كانت واشنطن لا تَكتفي بمُحاولة طَي القرار 2253 بل تُواصل العمل بما يُناقضه، فإنّ الإرادة الحقيقية لتَطبيقه جارية، وإن عملية تَجفيف منابع الإرهاب لن تَتوقف، مَطلوبٌ من واشنطن وجوقتها ألا تَنشغل كثيراً بالتأسيس على الوهم في أثناء مُراقبة الحالة، وعليها أن تُخصص من الوقت ما يَكفي لحزم حقائب الخيبة والرحيل.