الحب أقوى من الموت

لم تزل فاطمة تأمل أن يزورها العيد وأن يكون أول المعيدين حبيبها.. هي لا تريد منه شيئاً سوى وردة لا أكثر لأن للورد لغة خاصة لا يبوح بها إلا للملتاعين من العشاق والمنتظرين الأحباب.

لكن أمها قالت: لا نستطيع أن نستقبله فربما تسبب بنقل الموت إلى والدها المريض.

فاطمة قالت “الموت بيد الله” وقالت: في السابق “عيدنا والرصاص يزخ علينا”.

تلجلج صوت الأم ولمعت دمعة في عينيها.. فقد رجعت بذاكرتها إلى بابا عمرو وإلى ساحة حمص التي تتوسطها ساعة كرجية حداد، ونادي الضباط وهتافات الذبح والرصاص مسحت آلام دمعتها وقالت: حربنا مع الكورونا أشد قسوة.

هزت فاطمة يدها وقالت: مع ذلك سأنتظره .

ابتسمت الأم لأنها شعرت أن الحب أقوى من الموت.. فهل يكون الحب هو الحياة؟

……………………………………

لعل الحب هو الحياة فعلاً لذلك يكون لقاء الأحبة هو العيد.. وبما أننا لا نقدر أن نستقبل الأحبة ولا أن يعود المسافرون الأحباب، فماذا ننتظر من العيد؟

سنغلق الأبواب حتماً في وجه الأهل والأصدقاء لأن المغامرة هنا قد توصل المرء إلى نهايته والنهايات محتملة دائماً لذلك قال عمرو لأمه “لا تصنعي الحلوى يا أمي.. فلن نأتي في العيد”.. وضعت الأم سماعة الهاتف وقالت لزوجها بصوت حزين: لا داعي لأن نصنع خبز العيد ولا أن نشتري حلوى العيد.

استغرب الزوج كلام زوجته لكنه أدرك أن الأولاد لن يأتوا.. وهذا يعني أن العيد لن يأتي إلى بيتهم هذا العام.. فالعيد يعني الأولاد والأحباب وتبادل الزيارات.

قال الزوج: نحن من زمان لم نعيّد بسبب الحرب والغلاء إضافة إلى منعنا منذ تسع سنوات من زيارة الكعبة وقبر الرسول.. نحن معاقبون لأننا نحب وطننا واليوم تكتمل بالكورونا.

……………………………..

كان خبر الحجر المنزلي وعدم التزاور في العيد غير مزعج بالنسبة لأم هشام التي تستهلك عمرها في اختراع الطرق التي تساعدها على تأمين خبز أولادها، فكيف لها أن تستقبل الأقرباء وتقدم لهم حتى القهوة، ومع ذلك تحسرت على أيام زمان حيث كانت تسهر الليل وهي تكوي ثياب العيد وتجهز (المعمول والغريبة وأقراص العجوة)، فالعيد لا يدخل البيوت التي لا تفوح منها رائحة الحلوى والسكر المحروق والثياب الجديدة وضحكة الأولاد الذاهبين إلى المراجيح والقلابات، وعودتهم محملين بالألعاب والبسكويت.

طفرت دمعة أم هشام وهي تراقب الأولاد النائمين الذين كبروا بين الرصاص والخراب والعتمة وبكت بصمت.. تمنت أن تشرب فنجان قهوة في آخر السهرة كعادتها إلا أنها فضلت أن توفره للصباح حتى لا تخسر طقوس القهوة الصباحية حيث لا يوجد لديها سوى (هذه الغلوة من القهوة) لذلك مضت إلى النوم وهي تطرد رائحة القهوة التي تحوم حولها.

……………………………

قبل العيد عادة يتم ما يسمى (تعزيل البيوت) أي التنظيف الشديد وجرد الثياب القديمة والأحذية، وقد يتم التبرع بها للمحتاجين، إلا أن أم هشام التي قامت بجرد ثياب أولادها التي لم تعد تناسبهم، أعادتها إلى الخزانة لأنها ستصنع منها أغطية وسائد أو بشاكير صغيرة للمطبخ أو مماسح للأرض، غير أنها شعرت بالحزن وهي تمسح الصحون بقميص ابنها الصغير.. فاهتزت يدها و سقط الصحن وانكسر.. وقفت تتأمل قطع الزجاج الصغيرة المبعثرة على الأرض فشعرت بالأسى وهي تشبّه عمرها بهذا الزجاج المبعثر منذ أن خطف زوجها رفقاء حارته وجيرانه ولم تعد تعرف من هو العدو ومن هو الصديق.

انحنت أم هشام تجمع الزجاج من دون قفازات تحميها ما أدى إلى جرحها.. وعندما نزلت قطرات الدم على الأرض ارتعشت وهي تتخيل كم شربت سورية من دم أبنائها حتى يعيدوا لها المراجيح والدويخات والقلاّبات والثياب الجديدة والعيديات.

……………………………..

يأتي العيد حزيناً يدق الأبواب ويرمي دمعة ويمضي، هي الوصايا كل ساعة.. لا تفتحوا الباب ولا تستقبلوا أحداً حتى ولو كان العيد.

معاً على الطريق – أنيسة عبود

 

 

 

 

آخر الأخبار
تقرير مدلس.. سوريا تنفي اعتزامها تسليم مقاتلين "إيغور" إلى الصين محافظ السويداء يؤكد أنه لا صحة للشائعات المثيرة لقلق الأهالي  بدورته التاسعة عشرة.. سوريا تشارك في معرض دبي للطيران أحداث الساحل والسويداء أمام القضاء.. المحاكمات العلنية ترسم ملامح العدالة السورية الجديدة وزمن القمع... الاقتصاد في مواجهة "اختبار حقيقي" سوريا وقطر.. شراكة جديدة في مكافحة الفساد وبناء مؤسسات الدولة الرقابة كمدخل للتنمية.. كيف تستفيد دم... إعادة دراسة تعرفة النقل.. فرصة لتخفيف الأعباء أم مجرد وعود؟ منشآت صناعية "تحت الضغط" بعد ارتفاع التكاليف وفد روسي ضخم في دمشق.. قراءة في التحول الاستراتيجي للعلاقات السورية–الروسية وزير الخارجية الشيباني: سوريا لن تكون مصدر تهديد للصين زيارة الشرع إلى المركزي.. تطوير القطاع المصرفي ركيزة للنمو المؤتمر الدولي للعلاج الفيزيائي "نُحرّك الحياة من جديد" بحمص مناقشة أول رسالة ماجستير بكلية الطب البشري بعد التحرير خطة إصلاحية في "تربية درعا" بمشاركة سوريا.. ورشة إقليمية لتعزيز تقدير المخاطر الزلزالية في الجزائر    السعودية تسلّم سوريا أوّل شحنة من المنحة النفطية تحول دبلوماسي كبير.. كيف غيّرت سوريا موقعها بعد عام من التحرير؟ سوريا تشارك في القاهرة بمناقشات عربية لتطوير آليات مكافحة الجرائم الإلكترونية جمعية أمراض الهضم: نقص التجهيزات يعوق تحسين الخدمة الطبية هيئة التخطيط وصندوق السكان.. نحو منظومة بيانات متكاملة