ها هو عيد الأضحى يعود، والأضحية من شعائره، وقد سُخر لنا الحيوان لهذه الغاية، مع عقد النية في التقرب من الله، وللذبح الحلال شروطه المعروفة، وعلى رأسها الرأفة بالذبيحة حتى لا يكون الأمر مصدر ألم، أو تعذيب له، وهذا من أخلاق الإسلام، وتعاليمه.. فلا تُسن سكين أمامه، ولا تُذبح أخرى أمام عينيه، بينما يُنفذ الأمر بحركة خاطفة من شفرة حادة فيها الرحمة رغم حدتها.. تحقيقاً للحديث الشريف: (وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة).
هكذا تُضمن واحدة من جملة حقوق للحيوان نادى بها الإسلام قبل قرون من تشكيل جمعيات العصر الحديث التي تنادي بصون هذه الحقوق، ومراعاتها، وعدم التعدي على الحيوان بما يصل إلى حد تعذيبه، أو ما يقود إلى انقراض جنسه، وفصيله.. وبالرغم من الحملات التي تُقام لغرض الحماية إلا أن طمع الإنسان، وجشعه، ورغبته الجامحة في تسخير هذه المخلوقات لمصلحته جعلته يتوسع في عمليات الصيد، من دون أن يحسب حساباً لانعكاس ذلك على التوازن البيئي.
وفي العيد أيضاً تُستغل الحيوانات في أماكن الترفيه، والتسلية للصغار لتقوم بما هو على خلاف طبيعتها، من دون أن يحسب حساب لتأثير ذلك عليها، بينما هي ليست أكثر من أطفال الطبيعة التي على الإنسان أن يرحمها، ويرأف بها كما يحنو على صغاره مادامت القوة له، وهو سيد الأرض.
وها نحن الآن ننشغل بالأوبئة التي تأتي إلينا عن طريق الحيوان، ولا نسأل عن أسباب انتقالها لنا بعد أن اقتربنا من عائلها بالاستخدام غير الرحيم له، ودون حساب لآلامه، وما يقع عليه من جور، وعذاب.
وحتى الحيوانات الأليفة التي لا تملك حظ تربيتها في البيوت لتبقى تسرح في شوارع المدن فقد نالت نصيبها من التعامل الخشن الذي لم يرحم ضعفها وقلة حيلتها وهي تحاول أن تتودد لمن يطعمها كي تبقي على حياتها، رغم الصداقة الموغلة في القِدم التي تربط بين الطرفين، وقد انتشرت في الآونة الأخيرة أفلام قصيرة للفكاهة، والضحك وأبطالها حيوانات تُعذب بينما صانعو الفيلم القصير يتباهون بصنيعهم، واستقوائهم على مخلوقات هي أضعف منهم.. وكأن منظومة القيم، والأخلاق لم تفعل فعلها في تهذيب النفوس، ولم تستطع الإنسانية أن تزرع الرحمة في القلوب، فإذا ببعض صغار العقول قبل أن يكونوا من صغار الأعمار يقدمون على جرائم بحق الحيوان.. وهم يبحثون عن الإثارة بعدما استغرقوا في تلفزيون الواقع، وألعاب الفيديو العنيفة التي تقوم على مبدأ القتل، وقد بثت سمومها في العقول لتنشأ أجيال على مشاهد القتل، والذبح وتعذيب الآخر حتى ولو كان ذلك من دون هدف، والحدث لمجرد الحدث في تفريغ ما شُحنت به النفوس.
فهل نعود لنطالب بأوليات مبادئ الأخلاق وهي الرفق بالحيوان، والحفاظ على حقوقه ونحن في عصر التقدم العلمي؟
إن تجارة العاج التي تدر المال الوفير، وجاذبية الفراء لأفخر الثياب، وغير ذلك كاد يقضي على حيوان المصدر، وبالرغم من التطور الكبير في مجالات الزراعة، وأساليب الحصاد الحديثة وأدواتها المتطورة، أقول رغم هذا فالقرود المقيدة بالسلاسل كالعبيد، والتي تُستجلب من موطنها في أراضي الغابات المطيرة، ظلت حتى يومنا هذا تقوم بعد تدريبها، وتهيئتها بعملية قطاف ثمار جوز الهند في المناطق الآسيوية حيث تنمو زراعاته بغزارة.. وحتى لو كان مردود قطاف القردة أكبر بكثير من المردود البشري ما ينعش هذه التجارة الرابحة، وما تدره من أموال، فإن ذلك لا يبرر استعباد الحيوان في عمليات القطاف، ولا في غيرها كأعمال السيرك مثلاً التي تقوم على أساس التدريب القاسي الذي يقع على الحيوان ويتسبب له بأضرار جسدية وعقلية، سواء بهدف انتفاع البشر من خدماته، أم تسليتهم، وانتزاع ضحكاتهم، وإعجابهم برضوخه لأوامر من يملك العقل والتفوق، ويفرض سيطرته على كائنات الأرض، ولو كان في ذلك اجتراح للإنسانية قبل أن يكون اجتراحاً لحقوق المخلوقات الأضعف.. مخلوقات تشعر بالألم، وبالوحدة، وتضطرب نفسياً، وقد تعاني أيضاً من الاكتئاب، والحزن.
وبين شفرة سكين حادة لكنها رحيمة.. وسلاسل مقيدة للقردة العبيد، وأسواط تلهب الظهور، والأجسام من دون رحمة يقع الحيوان بين رأفة الأديان، وقسوة الإنسان.
(إضاءات)-لينـــــا كيــــــلاني