ليس من العبث إن اعتبر المرسوم التشريعي رقم (3) لعام (2020) الذي شدّد العقوبات على من يتعامل بغير الليرة، بأنّ المخالفين له مجرمون حقيقيون يستحقون عقوبات بمستوى الأشغال الشاقة التي لا تقل عن السبع سنوات وغرامات مالية باهظة. وعلى الرغم من أن هذا المرسوم شكّل ضجة وقلقاً شديداً سمعناه من الكثيرين، وليس فقط في أوساط قطاع الأعمال، بل وفي بعض الأوساط الشعبية أيضاً، بالنسبة لمن يكتنزون مبالغ بالليرة السورية ويريدون أن يحوّلوها إلى ذهب أو إلى قطع أجنبي بحجة الحفاظ على قيمتها، على الرغم من ذلك فإن هذا المرسوم جاء في مكانه، وهو ضروري جداً، والاعتراض عليه أنانية مفرطة بالفعل لا تراعي المنعكسات السيئة على الدولة والمجتمع، لأن الاتجاه نحو استبدال العملة الوطنية (الليرة) بعملات أجنبية، أو بكميات من الذهب، ومن دون مبرر موضوعي، ولا حاجة حقيقية لذلك سوى الاكتناز، هو يعني أننا نقوم بإحداث حالة كبيرة من فائض العرض لليرة السورية، مقابل حالة من الطلب الشديد على العملات الأجنبية وعلى الذهب، وتبعاً لما يفعله قانون العرض والطلب بمختلف أنواع السلع فإن هاتين الحالتين تعنيان باختصار انخفاضاً شديداً لسعر صرف الليرة وفقدان قيمتها، وارتفاعاً موازياً شديداً لسعر صرف العملات الأجنبية وسعر الذهب، وهذا ما يحصل عندنا بكل أسف، وهذا ما أوصلنا أيضاً إلى ما نحن عليه من تضخّمٍ ومآسٍ في حياتنا لجهة الارتفاع الجنوني لأسعار السلع والمواد والأدوية، وانخفاض مستوى المعيشة، وزيادة تكاليف الحياة.. أجل فكل معاناتنا من هذه الجوانب ناجمة بالنهاية عن انخفاض قيمة الليرة، التي استغنينا عنها بحثاً عن غيرها وكان من واجبنا أن نتمسك بها أشد التمسك.
من هنا جاء تركيز السيد الرئيس بشار الأسد أمام مجلس الشعب منذ أيام على هذه الناحية ليوضح لنا حجم المخاطر التي تواجهنا عند استسهال مثل هذه التصرفات، ونستغني عن العملة الوطنية، حتى وكأننا بفترات معينة وقعنا بمستنقع الهلع الشعبي بالاندفاع نحو ذلك، وقد أوضح السيد الرئيس (كل العوامل لها علاج إلا الهلع الشعبي عندما تركض الناس من أجل شراء الدولار والذهب بدلاً من الاعتماد على عملتها… لذلك كل شخص كان يبيع الليرة من أجل الادخار كان في الواقع يساهم بالتضخم، والتضخم يساهم برفع الأسعار، وبالتالي هو يخسر أكثر مما وفر، وهذا التصرف أناني لأنه يفكر بنفسه ولا يفكر بالضرر الذي يلحقه بالكثير من السوريين وبقدرة الدولة على توريد المواد الأساسية).
ونوّه الرئيس بوضوح أن الاستغناء عن العملة الوطنية هو إعدام لها، فنتحول إلى رهائن لقرار دولة أخرى اقتصادي وسياسي، يعني أن نتحول إلى دولة فاقدة السيادة، يعني أن نتحول إلى عبيد.. فهل نعي ذلك ونكفُّ من ذاتنا عن هذه الجرائم..؟!
على الملأ – علي محمود جديد