ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحريرعلي قاسم:
ليس من باب العبث التاريخي أن تحضر ميسلون هذا العام محاطة بهذه الأحداث المفصلية وأن تكون أحد عناوين تموز، في وقت تبدو الحاجة فيه للعناوين على أشدها، مثلما هي للتفاصيل،
خصوصاً حين تقترن مع هذا الاصطفاف «الحربجي» بكل تبعاته وأشكاله ونماذجه.
وليست مصادفة أن يشهد تموز كل هذه التطورات، حيث يستدرج التاريخ بالفطرة تجاربه، وتستعيد البشرية تحت ضغط الحاجة ذاكرتها، فيما شعوب المنطقة تجد نفسها مرغمة على الاستعانة بالعبر التي تركتها تلك السنون.
قد لا تكون المقارنة الزمنية محكمة، لكنها بالإطار التاريخي تبدو أكثر شمولية في تبني الحالة القائمة على أنها إعادة أتوماتيكية لمنطق الأطماع، من بوابة شعارات اعتاد الغرب على حملها كلما استفاق على مشروع استباحة جديدة للمنطقة.
على هذه الأرضية تبدو ميسلون بالمعنى الكلي حالة قائمة يصعب تجاوزها، ونحن نقف على أبواب مشهد يستحضر معه سيناريوهات الحرب المعدة في البنتاغون، ويظهرها إلى العلن محاطة بكم من التحذيرات ذات البعد النفسي أكثر مما تعكس رغبة فعلية في قراءة التداعيات.
وعلى النسق ذاته، تمتد اليد الأعرابية بطابعها السعودي لتعانق المقبض الإسرائيلي في صفقة تسلح آثمة، زكمت رائحتها زواريب الصقيع العربي، وانزلقت إلى حضيض القاع الآسن لتاريخ شاهد على دور شارفت فضيحته على خلع آخر أوراق التوت عنها.
بعد ميسلون كان تموز غيره قبلها، وبعد ميسلون تدرجت الحكايات والروايات، وبات تموز يفرش ذاكرته من ثورة الكنانة التي تستحضر قيمها شوارع القاهرة اليوم ومدن مصر ومعها ما تبقى من جـذر لها في الأرض العربية، إلى انتصار المقاومة التي يحاول العقل الأوروبي أن يزوّر هويتها، بعد أن رضخ للإملاء الأميركي والرغبة الإسرائيلية، وتطوّع ليكون جسر عبور لها إلى حيث عجزا عن المرور.
بين دروب ميسلون وطريقها الممتد في عمق الذاكرة وبين كواليس الحرب الكونية ألف تقاطع ومئات المفارق وعشرات المشاهد المتشابهة أو المتعاكسة، وعلى جوانبه تتكدّس العبر والدروس وتتراكم التجارب والحكايات من كل نوع، وحدهما القضية والمصير اللذان رسما مسار التاريخ يعدّلان من خطواته، ليتجه على نحو يوافق إرادة الشعوب، لا قرار الهيمنة والأطماع، فيعاكس بالضرورة منهج المشاريع ويتصادم مع أدواتها ووسائلها.
على ضفاف التوافق كانت الفوارق ترتسم على حياء خلف سواتر من الشعارات الزائفة، وبين حدود التعارض تتكامل الأدوار، وكل يسحب البساط من تحت الآخر، وحدها أقدام الشعوب كانت حافية كما هي صدورها العارية تتحضر للمواجهة، وفي الحصيلة وجوه تتعدد وأدوات تتبدل وسواطير تُشحذ من أجل أن يكون عنق الأمة مسطرة يقاس عليها.
لكن منطق التاريخ كان لابد أن يعيد عقارب دورانه إلى الاتجاه الصحيح، وكان لابد أن تُكمل الأمة حركة مدارها على مسار الحدث، فتسجل اليوم عودة إلى استحضار ما صنعته البطولة في ميسلون، وما زرعته ثورة تموز برمز قوميتها وأفكار جمال عبد الناصر، وما أضافه انتصار تموز بسواعد المقاومة إلى أبجديات الأمة من مفردات كان يُراد أن تُسحب من التداول وأن تخرج من السياق لتبقى أحلام الشعوب أسيرة لشهوة الأطماع، ومرتعاً لنبوءات القتلة والمجرمين، وساحة للخونة والمتآمرين.
هذا ليس استباقاً، ولا عودة إلى الماضي، لكنه محاكاة للحاضر والمستقبل بوقائع الماضي، وممارسة لدور بدأ يأخذ موقعه الفعلي في مسارات الأحداث، حيث تموز فيما مضى كان يكتنز في أيامه وتواريخه ما يشي بأن تموز الحاضر أيضاً سيسجل أن الحرب الكونية بدأت تشهد أفولها وتحزم حقائبها وما تبقى من أدوات عدوانها، ليضيف إلى أيامه تاريخاً وذاكرة تحكيها الشعوب ذات يوم.
فالمعادلة التي كتبتها ميسلون تستحضر أوراقها، والأرقام المدونة على هوامشها تفرض إيقاعها، والروح التي قاتلت هي ذاتها التي تقاوم اليوم وتواجه في حرب كونية مفتوحة كينونة الحالة ذاتها، فدمشق التي رفض يوسف العظمة أن يدخلها المحتل دون استشهاد، هي ذاتها اليوم التي سيرفض كل سوري أن تطأها قدم محتل أو أن ينال منها
a.ka667@yahoo.com