كل الناس مدعومة من الدولة على الرغم من كل ما نقاسيه، ونحن بالفعل مدعومون.. وعلينا أن نقدر ذلك.
فصحيح أننا نقف يومياً على طوابير الأفران فترة طويلة متحملين ملل الانتظار، والمخاطر الناجمة في هذه الأيام عن التقارب وعدم التباعد، وصابرين على سوء العدالة في البيع وسوء التنظيم، ولكننا بالنهاية نحصل على ربطة خبز مدعومة فعلاً.
وصحيح أننا نعاني الأمرّين من حالات التقنين الكهربائي وبرامجه غير العادلة، غير أن وزارة الكهرباء بالنهاية تعطينا هذه الطاقة الكهربائية الساحرة مدعومة فعلاً وبأرخص الأسعار قياساً بتكاليفها.
وكذلك الأمر بالنسبة للمشتقات النفطية فهناك مخصصات بنزين مدعومة لجميع السيارات الصغيرة والمتوسطة، ومهما بلغت معاناتنا من مازوت التدفئة وتأخره وأنه لا يأتي دور الواحد منّا إلاّ في الصيف أحياناً، فإنه يصلنا مدعوماً من وزارة النفط مهما اشتدّ الطلب عليه، فالدعم الذي نحظى به لا يأبه لقانون العرض والطلب، وإنما يخترقه دائماً وبلا هواد، فانكفاء العرض أحياناً واشتداد الطلب ليس كفيلاً برفع أسعار المواد المدعومة عند الدولة انصياعاً لذلك القانون، وإنما تبقى أسعارها ثابتة مهما اشتدّ الطلب، وكذلك الأمر بالنسبة لبعض المواد التموينية الأساسية كالأرز والسكر، فضلاً عن خدمات التعليم والصحة.
فالجميع في هذه الأمور مدعوم وبلا استثناء، ومع هذا نجد أن الكثير من شرائح المجتمع ما تزال مفتوحة الشهية لمزيد من الدعم، فالمستثمرون ينشدون المزيد من الإعفاءات والاستثناءات والميزات لتشجيع الاستثمار، والصناعيون يطلبون تخفيضات وإعفاءات وميزات دعماً للصناعة الوطنية، والمصدرون يطلبون المزيد من الإعفاءات أيضاً دعماً للتصدير، وأصحاب المنشآت السياحية يطالبون بتخفيض الضرائب عنهم لدعم السياحة، والفلاحون يطلبون الدعم، والبلديات تطلب الدعم والمحافظات تطالب به.
شيء ما في داخلي يسأل حالي:
هل يتناسب حجم الدعم مع حجم المردود الناجم عنه..؟ ثم أليس من واجب المدعوم أن يبذل جهوداً أكبر -كل في مجال عمله- كردّ للجميل، وحتى يفتح فرصة لزيادة دعمه أكثر..؟ وهل خطر على بالنا يوماً من أين للحكومة أن تنهال علينا بهذا الدعم كله إن كنا جميعاً نرغب بتشليحها مدخراتها، أو حجبها عن وارداتها ونريد منها الدعم ثم الدعم..؟! هل فكرنا نحن مرة بالمبادرة لدعمٍ معاكس..؟ أي أن يقوم القادرون.. بدعم الحكومة..؟
على الملأ – علي محمود جديد