ثورة أون لاين- بقلم رئيس التحرير: علي قاسم:
أملت العلاقة مع حماة الديار حضورها الآسر لدى السوريين، واستحوذت على مساحة حفرت عميقاً في وجدانهم، وهي ترسم علامة فارقة في تاريخ الاحتضان السياسي والشعبي للجيش العربي السوري،
بما يمثله لدى الطيف الواسع منهم، بعد أن اقتضت المعطيات النمطية على مدى عقود خلت أن يقتصر تفاعله معها على حدود العلاقة الشخصية وعواملها الفردية.
اليوم، تبدو العلاقة مختلفة، وتنقلها من خصوصيتها الفردية إلى الحامل المجتمعي والحاضن الشعبي، واستطاعت أن تمثل العنصر الأكثر انعكاسا لواقع الحال الفعلي الذي يحكم هذه العلاقة، لتتجذّر بأبعادها الاجتماعية والشعبية المختلفة على نطاق يتسع مدى تفاعله مع ما ينتجه المحيط، وما يمليه عليه من عوامل إضافية على مستوى النتائج التي تترجمها هذه الحالة.
هذه ليست حالة استنتاج، ولا هي قراءة تحليلية في مشهد بات يتكرر كل يوم، وأضحى من ثوابت الحدث الاعتيادي الذي يعيشه السوريون في يومياتهم العادية، وتطورت في سياق الترابط من الوجود الحسي والمادي إلى مستوى الارتباط المصيري، الذي شكل في نهاية المطاف تحوّلاً نوعياً كان لا بد أن يترك بصماته بوضوح على أي مقاربة من هذا النوع.
فالسوريون يستطيعون اليوم أن يحصوا الكثير من المفردات، وأن يضيفوا إلى خطابهم اليومي وأحاديثهم العادية الكثير من المصطلحات التي تتعايش معهم، وقد باتوا جزءاً لا يتجزأ منها، بل تعنيهم بكل تفاصيلها، وحتى في عناوينها، وبرزت في سلم أولوياتهم إلى أن أضحت المفاجأة الأجمل في سياق الاكتشافات التي توالت تباعاً في حيوية العلاقة بين الشعب والجيش.
على المنحى ذاته، كانت المفردات العسكرية تملي حضورها من منظور العلاقة تلك، وباعتباراتها السياسية والاستراتيجية التي حكمتها، فاستعادت مكانها في سطور الأدبيات السياسية وهي التي غابت لعقود خلت، وبدت حينها خالية من دلالاتها الزمانية والمكانية، أو أنها باتت خارج التداول في الخطاب السياسي والإعلامي، من بوابة الاعتقاد السائد بأن عصرها قد ذهب وحل مكانه عصراً آخر مختلف ومتباين معه.
هذا الحضور يبدو أنه المنعطف الجوهري الذي يفضي إلى فرض واقع مغاير، لا يمكن لذكرى الاحتفال بتأسيس الجيش العربي السوري أن تمرّ دون أن تضع علاماتها الفارقة على منحى التداعيات التي تقود إليها، وأسهمت في إبراز المنحى الإنساني بأبعاده الحضارية والكفاءة العسكرية، بعواملها النفسية والإتقان السياسي بأوجهه المختلفة.
لا ننكر أننا اعتدنا في السنوات الماضية أن نحتفي بروتوكولياً بتأسيس الجيش العربي السوري، وباتت الحالة جزءاً من سلوك تقليدي اقتضى في كثير من الأحيان أن نكتفي بالمرور سريعاً على المناسبة.
هذا العام كما العام الذي سبقه، ثمة متغيرات جوهرية فرضت نفسها لا تتعلق فقط بالإطار الذي تشكله المناسبة على أهميتها، بل أيضاً بدور هذه المؤسسة وموقعها، وتنامي العلاقة القائمة التي باتت على تماس مباشر مع كل فرد في سورية، بما قدمته وتقدمه من تضحيات فاقت في الحجم والمضمون كل ما يمكن لخيال أن يرسمه.
هذه التضحيات ربما هي التي أملت الحاجة على إعادة النظر بالكثير من المفاهيم التقليدية والصور النمطية، التي كانت تحاكي واقع هذه المؤسسة ودورها وعلاقتها بالآخر، وصولاً إلى ما تفرضه التطورات من تعميق لدورها الإنساني بالتوازي مع أدوارها الأخرى الجوهرية في التضحية والفداء والبطولة، والسوريون بدؤوا بذلك مبكراً، بل تعاطوا معها بأعلى درجات الإحساس الوطني، وهو ما انعكس على علاقة دخلت كل بيت سوري وحاكت وجدانه الوطني بجيش يقارع أعتى أنواع العدوان بأوجهه المختلفة الإرهابية والاستخباراتية والعسكرية.
حماة الديار.. يرسمون اليوم راية الوجود بطابعه السوري ويخطون الغد السوري بملاحم بطولة وتضحية أعطت لحاملها المجتمعي أبعاده ومنعكساته، ووفرت لحاضنها الشعبي استرداد ما حاولت قوى البغي والعدوان أن تصادره، حيث المواجهة المفتوحة ترسم آفاقها على وقع أقدام الجيش العربي السوري.
a.ka667@yahoo.com